زاد الاردن الاخباري -
لم يكن محمد (24 عاما) الذي عانى كثيرا من البطالة وعدم العمل، يعلم أن رحلته في البحث عن وظيفة مستقرة و"مستورة" لاعالة أسرته، ستقوده اخيرا للعمل بفندق اسرائيلي بمدينة ايلات الساحلية، ليدخل في "دوامة" نفسية من تأنيب ضمير لعمله لدى كيان اعتبره دائما "عدوا وجوديا".
صراع الإقدام والإحجام، الذي تنازع محمد –اسم مستعار- منذ التحاقه بوظيفة عامل تنظيف غرف وحمامات بفندق بايلات في تشرين الاول (اكتوبر) 2015، لم يدم طويلا، كما يقول، فقد ترك العمل بعد ستة اشهر، خاصة وان ظروف العمل وشروطه "قاسية" في ظل غياب اي رقابة رسمية اردنية لاوضاع العمال هناك.
ارتفاع نسبة البطالة بين الشباب في ظل تراجع قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل، دفعت محمد ونحو 1400 شاب اردني، للالتحاق باعمال فندقية وزراعية خلف حدود العقبة، في ايلات المطلة على البحر الاحمر، عبر ثلاث شركات توظيف اردنية وسيطة، تعمل وفق بروتوكول موقع بين الاردن واسرائيل منذ العام 2000، كخطوة لترجمة اتفاقية "السلام" بين الطرفين الموقعة في تشرين الاول (اكتوبر) 1994، وتعزيزه بـ"فوائد" يشعر بها الناس!
ويكشف تحقيق استقصائي اجري على مدى اشهر، عن ظروف عمالية ووظيفية قاسية يتعرض لها العمال الاردنيون في ايلات، وهي معاناة تبدأ من لحظة توقيع العقد مع شركة التوظيف ولا تنتهي بترك الوظيفة، مرورا بظروف عمل قاسية و"مذلة" كما يصفها عمال، وغياب الحماية الرسمية لحقوقهم سواء لدى الجانب الاسرائيلي او لدى شركات التوظيف.
يروي محمد كيف وصل، بنصيحة من صديق له، لإحدى شركات التوظيف المتخصصة بالتعاقد مع أردنيين للعمل بايلات. ورغم تخوفه وصراعه الداخلي تجاه العمل لدى اسرائيليين، فقد "بقي ذلك الخيار الوحيد امامي بعد أن جلست بالبيت لستة اشهر لا اجد عملا".
يضيف "ترددت كثيرا باخبار اهلي أني أعمل بايلات.. قلت لهم أعمل في العقبة".
الطريق الى إيلات
ثلاث شركات توظيف تعمل رسميا بمجال ايفاد عمال اردنيين لايلات، ومقرها في العقبة، وتبين لمعد التحقيق ان لهذه الشركات مكاتب في عمان، تنسق لاستقطاب عمال من محافظات الشمال والوسط.
محمد راجع إحداها بنصيحة من صديقه الذي سبقه للعمل بايلات. كانت الوظيفة المتوفرة عامل تنظيف بفندق اسرائيلي، وتضمن العقد حصول الشركة على نسبة 7 % من الراتب، ونص ايضا على شرط جزائي بحال تركه العمل بدفع 1500 دينار.
" مطلوب شاب اردني، من 19 – 29 عاما، لتدريبه وتوظيفه على إنتاج الطعام والاستقبال الفندقي في عمان، براتب مجز مع امكانية السفر بشرط اعطائه دورة"، اعلان بإحدى الصحف الإعلانية نشر في شباط (فبراير) الماضي، وقد اعيد نشره كاعلان مبوب لمدة شهر.
ولاحظ معد التحقيق وجود اعلان آخر، يحمل ذات الصيغة ونفس جهات الإتصال، ونصه: "مطلوب شاب اردني من 17 - 27 عاما، (للعمل) بنظافة الفنادق في العقبة، بدخل من 500 - 600 دينار حسب الكفاءة، بشرط أن يكون لديه جواز اردني، واعطائه دورة".
عند الاتصال بالرقم المرفق بالإعلانين، تبين أنه لمكاتب تابعة لشركات توظيف العمال الأردنيين بإيلات، الموجودة بالعقبة.
تقمص معد التحقيق دور الباحث عن وظيفة في إيلات، وراجع إحدى شركات التوظيف. استقبلته مديرة الشركة، وشرحت بأن العمل بإيلات يتطلب احضار عدم محكومية، وشهادة ميلاد، والسيرة الذاتية. وعلى مقدم الطلب الانتظار بين شهر إلى اربعة أشهر، وربما أقل من ذلك، لحين توفير الوظيفة.
"الّلي بدّهُ يشتغل معنا، بده يحُطْ طلبه وينساه"، قالت المديرة، وأضافت أن وفدا اسرائيليا "هو من سيقابلك، وبعدها تبدأ مرحلة التدقيق الأمني، حيث ترسل معلومات مقدم الطلب لوزارة الداخلية الإسرائيلية".
وعرضت ملخصا لأنظمة العمل، مشيرة الى إنه "على نظام الساعات، والشركة تقتطع بدل مواصلات، وبدل سكن مؤمن، إضافة إلى 7 %، من الراتب".
أجرة ساعة العمل –بحسب المديرة- 4 دنانير ونصف، وان أقل راتب هو 500 دينار.
في اليوم التالي، توجه معد التحقيق لشركة أخرى وبدا التعامل أبسط من تعقيدات الشركة الأولى، إلا أن التنافس بين الشركات ظهر كبيرا. مدير الشركة شرح باسهاب عن "حساسية" العمل في إيلات، واوضح طبيعة الأوراق المطلوبة، والتدقيق الأمني الكبير للعامل، ومزايا العمل.
"كثير شباب رجعت من هناك بسبب سلوكياتهم، الكثير منهم، انحرف عن سبب ذهابه للعمل، ليصل لتعاطي المخدرات، وإقامة علاقات جنسية مع إسرائيليات" بحسب ما قال مدير الشركة.
وتابع: "عليك الحرص على سلوكياتك، والعمل والجدية فقط، العديد من العمال وظيفتهم نقل الأخبار والمعلومات لادارة الفندق، فلا يوجد لك صاحب بهذا العمل، العمل حساس جدا، وعليك الحذر".
محاسب الشركة قال، بمداخلة له، إن "إسرائيل تفضل التعاقد مع متقاعدين وكبار في السن اكثر من الشباب الصغار بذريعة أن الشباب يتسببون بكثير من المشاكل".
الالتحاق بالعمل خلف الحدود
محمد، الذي كان بدأ عمله بايلات في تشرين الاول (اكتوبر) 2015، قال ان الانطلاق للعمل من العقبة لايلات ثم العودة يكون يوميا، وحددت الشركة فندقا بالعقبة للانطلاق صباحا، وهو ذاته مكان السكن للعمال عند عودتهم مساء.
يقول محمد: "الفندق سيئ والنظافة معدومة، ننطلق الساعة السادسة من الفندق لمعبر وادي عربة، يتم ختم الجواز أول مرة، والأمر بحاجة إلى تأشيرة، وبعد ذلك على نظام البطاقات، ثم ننقل بحافلات خاصة للفندق بايلات، وهناك نخضع لتفتيش دقيق جدا، بحيث يمنع إدخال إي شيء غير علبة الدخان والهاتف".
وكما يوضح مدير شركة الاولى للتوظيف مصطفى البدوي فان العامل يحصل على "تأشيرة عمل" لمدة عام في ايلات. ويمنع العمال من المبيت هناك، حيث يعودون بشكل يومي للعقبة.
فيما يشير محمد إلى أن مجموع راتبه الشهري لم يكن يتجاوز ثلاثة الاف و740 شيكلا (العملة الاسرائيلية)، ويعادل 700 دينار أردني تقريبا. ثم تخصم الشركة نسبتها 7 %، "واحيانا كانت تأخذ نسبة 10 % ، رغم مخالفتها لقانون العمل".
كما تخصم مبلغ 200 شيكل ( 40 دينارا) بدل سكن، و100 شيكل (20 دينارا) بدل مواصلات.
"أول يوم اشتغلت فيه، تمنيت لو الأرض تنشق وتبلعني".. هكذا يصف محمد لحظات العمل الاولى، خاصة بعد ان بدأ يسمع الطلبات من مديره الاسرائيلي.
يقول "اكتشفنا ان الوضع سيئ في العمل.. بخلاف وعود الشركة". ويشرح "خلال العمل بالفندق الاسرائيلي كان الصراخ مستمرا من قبل مسؤولي العمال، والاهانة متكررة، رغم أن بعض العمال الأردنيين طلبوا عدم استخدام ألفاظ وشتائم، أقل ما يقال عنها بأنها عنصرية".
ويضيف محمد "ثم تجيء خلافاتنا مع الشركة على نسبة الاقتطاع، أحيانا يأخذون 7 % ومرات يخصمون 10 أو 12 % .... العمل غير مناسب لأحد، عدا عن نظرة الناس واهلك لك بحال معرفتهم أين تعمل".
معد التحقيق زار الفندق الذي يقيم فيه عمال متعاقدون عبر احدى الشركات للعمل بايلات، مدعيا بانه يبحث عن العمل مثلهم، وتحدث بعضهم عن اوضاع العمل بالفنادق الاسرائيلية.
يفضل اصحاب العمل الاسرائيليون العمال الأردنيين كبار السن، وخاصة المتقاعدين، لاستجابتهم للمهام المطلوبة منهم، ولكثرة المشاكل التي يسببها العمال الاصغر سنا، بحسب عمال.
عامل شرح طبيعة العلاقة بين العامل والشركة، داعيا معدّ التحقيق، لعدم العمل مع شركة منافسة "لانتهاكاتها حقوق العمال، إضافة لسوء نظافة الفندق الذي ينام فيه عمالها، وكثرة المشاكل التي نسمعها من عمال تابعين لها".
عامل ثان أكد أن العمل في ايلات "غير مجدٍ" بفترة الشتاء، ناهيك عن سوء المعاملة، وقال: "لو كنت اعرف أنه هيك الشغل.. والله ما رحت، كثير شروط معقدة، العطل كثيرة، واليوم اللي بتعطل فيه ما الك راتب، وأكلك وشربك بكون على حسابك".
فيما قال محمد ان الحالة النفسية التي يعانيها العامل بايلات "لا يمكن لأحد أن يتصورها، فمجرد العمل لدى كيان غاصب أو عدو هي فكرة سيئة جدا".
وتقدر اعداد الأردنيين العاملين في إيلات، سواء في الفنادق او الإنشاءات، بنحو 1400 عامل، يتم استقطابهم عبر 3 شركات، اثنتان تستقطبان العمال للعمل بالفنادق والثالثة للعمل بالانشاءات.
لا حقوق ولا ضمانات لدى الاسرائيليين
في زيارة ثانية لمقر اقامة عمال الشركة، بمرافقة مديرها، تحدث أحد العمال عن انه سمع بأن اسرائيل تفكر بتشغيل اردنيين في فنادق البحر الميت بالجانب المحتل، وان عدد العمال سيزيد إلى 5000 أردني، حسب ما سمع أثناء عمله.
عامل أربعيني ثان قال: "إسرائيل استوعبتنا، ودول الخليج مش قابليتنا، هذا المختصر"، ثم غادر. فيما قال ثالث ان أبرز المشاكل التي تواجههم بعملهم هي "كثرة التعطيل خصوصًا بالفترة الشتوية".
اما عامل رابع، والذي بدا واضحًا أنه كان ينتظر الفرصة للتعبير عن معاناته، فقد قال "إن الاتفاق كان مبنيا على نظام 186 ساعة بالشهر، وحاليًا هذا غير مطبق، وإسرائيل تعطل 4 أيام بالاسبوع، ونحن نظام مياومة، للآسف الوضع سيئ جدًا".
ويتابع الرابع: "السيد مصطفى يتابع هذه القضية مع "كخدام" في اسرائيل، إلا أنهم غير ملتزمين بنظام الساعات، إضافة إلى أنهم يجبرون العامل أحيانا على المغادرة الساعة 12 أو 1 ظهرًا".
ويوضح اكثر: "بحكولنا اللي مش عاجبه الوضع يروح، بيجي غيرك، في 100 واحد يبوس على الايد عشان يتوظف مكانك، بجيب بدالك اثيوبي أو روسي مستعد اجيب بدالك 1000 اردني".
ويختم بالقول: "اللي ذبح العمال الأردنيين تنافس ثلاث شركات، فأصحاب الفنادق يقولون لنا بشكل دائم: أنت من الشركة الأولى، نأتي بغيرك من شركة المهند، أنت من شركة المهند نأتي بغيرك من العربية". ويخلص "بعد ذلك يطلبون من العمال السكوت وعدم الاعتراض، وتلبية كافة طلباتهم، وهذه لعبة يمارسها اصحاب العمل للضغط علينا".
توثيق نقابي لانتهاكات حقوقية
المرصد العمالي الأردني كان رصد في تقرير سابق له الانتهاكات القانونية والحقوقية التي يتعرض لها الاردنيون في ايلات، ووصلت بعضها من عمال للمرصد مباشرة.
يوضح مدير المرصد احمد عوض ان التقرير "كان مفصلاً عن الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها العمال، بداية من ظروف العمل الصعبة، والاهانات التي توجه لهم من قبل المدراء في الكيان الصهيوني، ووصولا لظروف عملهم التي تشبه السجون، لدخولهم الفنادق عبر معبر وادي عربة وعدم خروجهم من تلك الفنادق".
ويشير عوض الى إن الأردنيين "يتقاضون ثلث الحد الأدنى للأجور بدولة الاحتلال.. هذا شكل بشع من أشكال التمييز يمارس ضدهم، إضافة لتعرضهم للتهديد بالفصل بأي وقت، وحرمانهم من ابسط حقوقهم، مثل الضمان الاجتماعي".
ويضيف ان ثمة "ممارسات يمكن تشبيهها قانونيًا بالإتجار بالبشر"، وأن مجرد الاقتطاع من راتب العامل لشركة توظفه "هو من اشكال الانتهاكات التي يمكن ان تصل بمرحلة ما إلى الاتجار بالبشر"، رغم أن الاقتطاع الحالي بنسبة 7 % يتم وفق التعليمات الأردنية.
ويرى عوض أن على العامل "ألا يدفع للشركة 7 %، لأنه يعمل بشركة أردنية، وموقع العمل بإسرائيل، فالعامل تائه ما بين القانونين الأردني والإسرائيلي".
محاولات حثيثة بذلها معد التحقيق لمقابلة مدراء شركات التوظيف الثلاث، وبعد رفض وتهرب، وافق مدير عام الشركة الاولى مصطفى البدوي على الحديث، وقال إن عدد العاملين الذين حصلوا على عقود في ايلات عن طريق شركته، يقدر بين 475 - 500 عامل يعملون بالقطاع الفندقي، لافتًا إلى وجود ثلاث شركات مرخصة لهذه الغاية هي: العربية، المهند والأولى.
ويقر البدوي بوجود قضايا عمالية بين العاملين والشركات الاخرى، إلا أنه يؤكد ان شركته لم تتلقَ أية شكاوٍ بهذا الخصوص، وقال "أن العمال يطالبون بأبسط حقوقهم، ومتابعة أوضاعهم بالفنادق في إيلات".
ويشرح أن رواتب العمال بايلات "متفاوتة"، بحسب مكان العمل، وأن "الشركة ملتزمة بتأمين العمال بالسكن والمواصلات، حيث يتم اقتطاع نسبة 7 % من راتب العامل".
ويؤكد ان هناك اجتماعات "دورية" مع الجانب الإسرائيلي، بخصوص حقوق العمال، ويشير الى ان توظيف العامل "يتم بعد تأهيله أمنيًا، والتدقيق عليه من الجانبين الأردني والإسرائيلي".
ولم يستبعد البدوي ان يفتح الجانب الاسرائيلي الباب لاستقطاب عمال اردنيين في القطاع الزراعي بحسب ما تصله من معلومات، فيما يقتصر العمل حاليا على القطاعين الفندقي والانشائي.
اخطار اخرى للعمل في ايلات!
لا يتوقف الامر عند وقوع انتهاكات حقوقية ووظيفية للعمال الاردنيين في ايلات، بل قد تتعداها الى اخطار امنية واجتماعية واخرى.
يقول احد وجهاء العقبة خالد الجهني ان عمل الشباب بايلات "كان يتم في البداية بطريقة سرية، إما على الهواتف الشخصية او بالبحث عن اصحاب الحاجة"، لكنه الان بات علنا "حيث تنتشر اعلانات التوظيف داخل العقبة، وبعضها يطلب فتيات للعمل بايلات، مع التركيز على المتقاعدين".
ويرى الجهني ان العمل بإيلات "بات يهدد وبشكل مباشر فئات من المجتمع، وخاصة أنهم يستغلون حاجتهم، فاصبح العمال عرضة للتجنيد لصالح اسرائيل، كما تتاجر بهم مكاتب التوظيف، وتستغل حاجتهم للعمل".
كما يتحدث الجهني عن أن هناك "فتيات إسرائيليات أتين للعقبة لزيارة عمال أردنيين أيام العطل"، وهذا "تغير اجتماعي خطير في العقبة"، محذرا مما وصفها بـ"مخاطر أمنية على العمال وعلى الأردن".
من ينصف العمال الأردنيين؟
الانتهاكات بحق العمال الاردنيين تتوزع على قسمين، الاول بموقع العمل مع الاسرائيليين، والثاني مصدره شركات التوظيف. ورغم حصول الاخيرة على تراخيص من وزارة العمل، فان ذلك لم يمنع من وقوع الانتهاكات، دون ان يجد العمال انتصارا رسميا.
وكان عمال اردنيون يعملون في ايلات قد اعتصموا في العقبة يوم 31 تشرين الاول (اكتوبر) 2016، إثر تعديل عقودهم من قبل الشركة المتعاقدة معهم.
وأشار عمال شاركوا يومها بالاعتصام الى ان وزارة العمل لم تتدخل آنذاك لحل قضيتهم، بل تدخل وفد من الجانب الإسرائيلي، بالتنسيق مع سلطة العقبة الاقتصادية الخاصة، لعودة الشركة عن تعديل عقود العمال.
هذه المعلومة دفعت معد التحقيق لزيارة مديرية عمل العقبة، بثوب العامل الذي يريد تقديم شكوى حقوقية ضد إحدى شركات التوظيف في ايلات. وبعد اخذ ورد مع موظفي المديرية، وعدم قبولهم الشكوى، استقبل مدير عمل العقبة يزيد عوجان معد التحقيق، باعتباره عاملا يريد ان يشتكي.
بعد الاستفسار من قبل عوجان عن طبيعة الشكوى، رد بالقول: "مش عنا الشكاوي، بس اذا شكوتك على ظروف العمل بإسرائيل، فنحن غير معنيين بها، وبكون عندهم، أما اذا كانت شكوتك عن نسبة شركة التوظيف، إطلع عند (صقر) وقدم لديه الشكوى"، في اشارة الى موظف بالطابق الثاني.
صقر اكد انه غير معني باستقبال الشكاوى "إطلاقا"، إلا أنه ومن باب التعاطف مع القضية، استمع للشكوى، وكتبها على قصاصة ورق غير رسمية، طالبا من المشتكي، تقديمها لديوان المديرية بهدف الكشف على الشركة.
الا أن عوجان رفض استقبال معد التحقيق لاحقا عندما ابلغه بانه صحفي ويجري تحقيقا حول شكاوى العمال الاردنيين في ايلات.
فيما أكد مدير مديرية تشغيل العقبة عاطف الحمران أن الوزارة "غير معنية بالعمال في إيلات"، وانها "أعلنت منذ البداية أن ليس لديها أي تدخل بالقضية".
وقال الحمران أن الشركات الخاصة الموظفة للعمال بإيلات "مرخصة من قبل الوزارة، إلا أن هذا عمل بين شركات خاصة"، مشيرًا إلى أن شكاوى العمال تكون لدى مدير عمل العقبة، ويفترض أن تكون هناك رقابة عليها.
ومجددًا، رفض مدير عمل العقبة عوجان التصريح حول ذلك، مكتفيًا بالقول بأن "الرقابة تكون فقط على النسبة المقتطعة من رواتب العمال"، أما عن خصوصيات العمل بإيلات "فتكون متابعة من الجانب الإسرائيلي".
اما سلطة العقبة الخاصة فلها علاقة بملف العمال العاملين في ايلات.
مصدر في السلطة قال ان السلطة "عملت على حل قضية النسبة المقتطعة من قبل الشركات بعد احتجاج العمال نهاية العام الماضي، حيث طالب الجانب الإسرائيلي يومها بتوحيد هذه النسبة".
المصدر اشار الى عدة اجتماعات عقدت ايضا مع وزارة الداخلية "وأخذت القضية طابعًا أمنيًا"، حيث أجبرت "الداخلية" اصحاب الشركات على تأمين السكن والمواصلات للعمال، لغاية عدم تعرضهم لآية اخطار.
معد التحقيق التقى مدير العمل والتأشيرات والإقامة بسلطة العقبة وسيم الجرابعة، الذي اوضح أن دور السلطة "كان تنظيميًا فقط"، وقال أن أية قضية حقوقية عمالية هي من صلاحيات وزارة العمل، فيما يكون الجانب الاسرائيلي مسؤولا عنها اذا وقعت الشكوى بايلات، حيث تخضع للقانون الإسرائيلي.
لا أب شرعيا لبرتوكول العمل بايلات
ويأتي مشروع توظيف الأردنيين بإيلات، بناء على برتوكول موقع بين الأردن وإسرائيل في 7 اذار (مارس) العام 2000، في عهد حكومة علي أبو الراغب، ووقعه وزير العمل آنذاك عيد الفايز، بحسب بيان صادر وزارة الخارجية الإسرائيلية.
وجاء في البيان المنشور على موقع الوزارة الاسرائيلية "إنه سيتم اليوم الثلاثاء 7 مارس 2000، التوقيع على بروتوكول لمشروع توظيف الأردنيين بإيلات، حيث سيعقد تحت رعاية وزير العمل الإسرائيلي ايلييشاي ونظيره الاردني عيد الفايز".
وزارة العمل رفضت التعليق على البرتوكول، أو الحديث عن قضية العمال الأردنيين في إيلات؛ بحجة أن لا علم لها بالقضية، وانها "طرف غير معني"، رغم أن أصحاب مكاتب التوظيف أكدوا بأنهم حصلوا على تراخيص من الوزارة.
وزير العمل الأسبق عيد الفايز الذي ورد اسمه بالبيان، اكتفى، في رده على استفسار معد التحقيق، بالقول ان الذي وقع البرتوكول "هو رئيس سلطة اقليم العقبة الاسبق يوسف الدلابيح"، وأن حضوره كان "فقط لرعاية الاتفاقية"، وانه "لا يعلم" بالتفاصيل.
فيما قال الدلابيح لمعد التحقيق إن من وقع البرتوكول هو "وزير العمل عيد الفايز"، وانه حضر بمعية الفايز كونه كان رئيسا لسلطة الاقليم.
فيما كشفت مصادر مطلعة بوزارة العمل عن توجيه اسئلة لوزير العمل الاسبق نضال القطامين حول العمال الأردنيين في إيلات، الا انه رفض التحدث عنها، وتوالى بعدها رفض الوزراء الحديث عن القضية، وعدم البحث بالاتفاقية الموقعة مع إسرائيل.
وتشير المصادر الى اشكالية تواجهها مكاتب العمل والتفتيش بالعقبة بالرقابة على مكاتب التوظيف بايلات، "لوجود تضارب بين قانونين يحكمان المحافظة، قانون سلطة منطقة العقبة، وقانون العمل".
وتوضح أنه "لا توجد رقابة فعلية من قبل الوزارة على المكاتب، والوزارة لا تعرف تفاصيل عمل الأردنيين بإيلات".
وتشير المصادر إلى أنه في حال تعرض العمال لانتهاكات خارج الأردن "فمن المفترض أن تتابع السفارة بتل أبيب قضاياهم عبر المستشار العمالي، الموجود في السفارات الأردنية في العالم"، إلا أن السفارة الأردنية بإسرائيل "لا يوجد فيها مستشار عمالي".
عضو لجنة العمل النيابية النائب خالد رمضان يعد بان تدرج قضية العمالة الأردنية في إيلات على جدول اعمال اللجنة النيابية قريبا.
وقال رمضان انه سيتقدم قريبا باسئلة واستجوابات لوزارة العمل ولرئيس الحكومة، "لتوضيح مصير العمال الأردنيين بإيلات"، منتقدا ما قال انه "التطبيع الذي وصلت له الحكومة مع إسرائيل".
وتعتبر النقابات المهنية ان عمل اردنيين في ايلات "نوع من التطبيع المرفوض شعبيا" بحسب ما يقول رئيس لجنة حماية الوطن ومقاومة التطبيع النقابية د. مناف مجلي.
ويرى مجلي ان العمل بإيلات "تطبيع"، ويوضح ان "التطبيع هو شرعنة الوجود الصهيوني على ارض فلسطين، بالقبول أو بالفعل، وبأي شكل من الاشكال، فالعمل تطبيع، ومن يرسلهم مطبع" على حد تعبيره.
مخاطر نفسية تواجه العمال الأردنيين بإيلات
ولا تقف الاضرار على العمال هنا، حيث لاحظ معد التحقيق وجود ضغط نفسي واضح عليهم أثناء مقابلتهم والحديث معهم.
وتشرح مستشار أول بالطب النفسي الدكتورة راوية بورنو الحالة النفسية المتوقعة لهؤلاء العمال، وترى ان "العدو لن يرحم الشباب، فمتوقع أن يعرضهم للكثير من الاشكالات النفسية، التي توصلهم لمرحلة من الاضطراب النفسي، الذي هو شبيه بما يسمى بـ"الاضطراب ما بعد الصدمة".
ولا تستبعد بورنو أن يتعرض بعض العمال لتعاطي المخدرات، أو التعامل مع مومسات، "ويمكن أن يكون هناك ابتزاز". وتقول "في ضوء هذه المعطيات يمكن أن تولد ظروف العمل السيئة للعمال، والاحساس بالندم والخجل والذل انعكاسات نفسية خطيرة لهم". وتوضح "من أبرز الانعكاسات على العامل، الشعور بعدم وجود قيمة، وعدم وجود ثقة بنفسه، والضعف بشخصيته، وغيرها من الانعكاسات"، وغير مستبعد ان تقود هذه الحالة الشخص للاكتئاب، "وإذا لم يعالج، أو يخرج من هذه الدائرة، فقد يصل إلى مرحلة الانتحار".
محمد، الذي ترك عمله بفنادق ايلات في شباط "فبراير" 2016 ما يزال يتساءل حتى اليوم "ما الذي أوصلني إلى هذا الجحيم؟ حتى لو كان راتبي 3000 دينار شو منظري قدام العالم وأهلي؟! مين بده يعطيني بنته بس يعرف أني اشتغلت في إسرائيل؟!" كما قال.
الغد