هذه المقالة بعد توقف انعقاد المجلس بانتهاء الدورة العادية الأولى لمجلس النواب الثامن عشر حتى لا تصادف أو تتزامن مع استغراق احد النواب فيعتقد انه المستهدف فنفقد الفائدة ، رغم أنها كانت جاهزة إثناء انعقاد الدورة ، فغايتنا لا تهدف إلى الإساءة أو التشهير بأحد بقدر ما تذهب إلى الإشارة إلى مواطن خلل في العمل النيابي ، ومثلبة في بروز ظاهرة النوم على اعتبار إن النوم إثناء الجلسات أمر معيب من شانه ان يخرم إرادة الأمة في الخاصرة ، مع إنني لا أنكر وجود انتقادات أخرى اشد فتكا ، أو أننا نواجه مجالسا تتحول الى كبش فداء تحمل أوزار حكومات ضعيفة ، وليصبح مشجبا تعلق عليه الحكومات الاحتقانات التي تسببها في الشارع ولتتحمل لائمة ولعنة الشارع بالإنابة .
يوما قال الرئيس الأسطورة هتلر حينما تسلّم الحكم
وكانت بلاده تعيش ظروفا حاسمة وفاصلة وحرجة وسجل ذلك في مذكراته في كتابه كفاحي : ( إن إدخال جمل من ثقب الإبرة أسهل بكثير من إمكانية الحصول على نائب جيد ، من العملية الديمقراطية الانتخابية ) ، لأنه وجد ان العمل النيابي بصورته التي ظهرت أمامه بجلاء في البندشتاق مدمرة ، قي فترة من الأوقات كان مستقبل ألمانيا يواجه خطر الاندحار والانحدار والزوال والتشكل والتلاشي ، في حين رأى قسم من النواب يشخر في نوم عميق سبات إثناء انعقاد الجلسات تحت القبّة كأنه في غرفة النوم ،فيما كان صنف من نواب مشتتون متعبون ، وثلّة مهملة فاسدون مشغولون بمصالحهم الخاصة ، و فئة ليس لهم فهم يدورهم ومسؤوليتهم ، ونسر يسير يدير المناقشات وفقا لأجندات خارجية مشبوهة ، فأطلق رصاصة الرحمة على المجلس وتحول إلى أسلوب أخر في تقرير السياسات وصنع القرارات وتمثيل إرادة الأمة .
لا اتفق مع هذا الرأي على إطلاقه لأننا نلمس إن ديمقراطيات فريدة تحكم دولا بنجاح تمثل إرادة الأمة الحقيقية غير المزورة ، وعندي حديث حول ذلك ، لكن المجال لا يتسع .
ان عملية النوم التي يرصدها مصورو وسائل العلام والتواصل الاجتماعي وتواجه تعليقات الرأي العام مدعاة للمراجعة وإعادة النظر ، وقد راعني تعليقا لأحد نشطا التواصل الاجتماعي على صورة لنائب نائم بقوله متهكما : لو نام احد قوات حرس الحدود على الواجهة الشمالية مثل النائب الذي اضطجع بالطريقة غير الضابطة والناقضة للوضوء، ما الذي كان سيحصل للوطن ! أجيبوني بربكم ! ولا حاجة لأن نجيب لعلمنا الأكيد بالنتائج الكارثية في مثل هذه الحالة من التسيب والإهمال ! ، وأشير هنا إلى إلا إن فداحة مصيبة نوم النائب اشد خطرا واكبر فتكا من نوم جندي حرس الحدود ، ولكم إن تتخيلوا شتان بين ما يتمتع به النائب تحت القبّة من رواتب وأوكسجين نقي وإضاءة ومكيفات ووجبات ومياه باردة مقصدرة وطابور ضخم من الخدمات، ثم لا يؤدي واجبه المطلوب ، ويقضي الجلسة نائما او شبه نائم كمن هو " حاضر الزول غايب الذهن " ، وبين ما يتمتع به جندي حرس الحدود من مخاطر برد وحر وغبار وتهديد إرهاب وتهريب وظروف قاسية وهو يحرس سياج الوطن في خندقه أو برجه في عين باتت تحرس في سبيل الله ، إلا انه يبقى صامدا مراقبا يقظا متأهبا يقاوم ساعات النوم القاهرة في أوجها ، في جو من الغبار والحر والبرد القارص وانتشار القوارض والحشرات القارصة والحيوانات اللادغة والسامّة القاتلة والعاضّة ، ثم يحاكم لو أصاب عينيه سنة من نوم ثم لا نجد له عذرا ، وليس جلسة نيابية تنعقد في أجواء مكندشة تأتي في وضح النهار في غير وقت للنوم بل بعد قدومه من غرفة نوم وثيرة وحصوله على قسط وافر من وجبات النوم المشبعات بالشخير .
تفتخر الدول العريقة المتقدمة في تطورها في مجال آلية صنع السياسات والتشريعات في مجالس تمثل إرادة الأمة الحقيقية الحرّة ، وتندهش حينما تراقب أداء مجلس النواب البريطاني اليوم ، لتؤكد إن هؤلاء شعوب تقدر قيمة الحياة وتستحق ان تعيش ، حينما نرى كيفية وقوف رئيسة الوزراء الجديدة تيريزا ماي إمام مجلس الأمة ، والتي جاءت خلفا للرئيس المستقيل طوعا وليس المقيل ، علما ان لا سياسيا عندنا يستقيل لو عمل السبعة الموبقات وذمتها ، وكانت الرئيسة تصدع لتنفذ إرادة الأمة ، بعد إن قرر الشعب الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في استفتاء البريقزيت ، وبعد عودتها من بلجيكا وتوقيعها المادة 50 من اتفاقية لشبونة ، ومناقشتها برنامج حكومتها حول سياسات الانفصال والتشريعات والتدابير والمعالجات الجارية ، بعيدا عن الاتحاد الأوروبي بوعي شديد ومعرفة وحصافة ، ويقابلها يقظة النواب وعويلهم وارتفاع صراخهم ، ودربكتهم بالأيدي على المقاعد احتجاجا بعد كل كلمة قالتها ، في نسق متناوب متعادل لتصمت إثناء ذلك ثم تستمر ثم ليمنحوها توقفا عن الدربكة ، ليكون لها الحق في التعبير ومواصلة الشرح ، وهكذا دواليك ، في تناوب رائع متسق منسق مثلما مايسترو يقود فرقة موسيقية تعزف لحن بحيرة البجع لبيتهوفن الشهيرة ، بسنح المجال والحق لكل منهما في التعبير وليس التشويش ، وانصياعهم القهري لأوامر رئيس مجلس النواب صاحب الكلمة في السماح للنواب والرئيسة بالسؤال والإجابة في احترام لدور كل واحد من أجنحة المجلس للأخر ، لان الجميع منتخب يمثل إرادة الأمة من حكومة او نواب ، وأمعنت في محاولة لرصد نائم نائب واحد فلم أعثر- لأعذر – لدرجة إنني لم أجد أحدا غير فاعل أو غير يقظ متّقد وليس نائما ! لان ظاهرة النوم أو عدم المشاركة او حتى غياب الراية والوعي أمر معيب مخجل بامتياز ينبئ بخراب الأوطان .
لنتعلم الدرس ، وأدعو لتطوير إلية صنع القرار \اخل المجلس والمناقشات و لوثيقة سلوك نيابية تعالج مسائل التسرب والتهرب ووقوف المتفرج والنوم وغيرها . وعندي مشاهدات ومقارنات أخرى على ذات ما يجري من تحولات مفصلية في موضوع الساحة البريطانية والانفصال كمثال لا الحصر تثبت عراقة مجالس الأمة الديمقراطية في احترام إرادة الشعوب تسترعي التعليق وللحديث بقية .