زاد الاردن الاخباري -
لا حاجة إلى الذهاب بعيداً للبحث عن أصابع إسرائيل في التحريض الذي تتعرض له قطر في واشنطن وفي بعض صحف الخليج العربي، هذه الأيام. وتكفي في هذا السياق، مطالعة اسم دافيد أندرو واينبرغ والمعهد الذي يمثله (معهد الدفاع عن الديمقراطية) في التقارير التي نشرتها (بأسلوب نسخ لصق) صحف عربية سعودية وإماراتية في حملة التحريض على قطر والمفكر عزمي بشارة، الذي خرج منذ عشر سنوات إلى المنفى، نتيجة حملات تحريض وملاحقات قضائية أمنية إسرائيلية وتهم بدعم المقاومة. وباتت الأيادي الإسرائيلية في واشنطن واضحة في الحملة ضد قطر.
واختارت صحف عربية خليجية الاستعانة بآراء وأقوال دافيد أندرو واينبرغ، أخيراً، عبر تقديمه بشكل مقصود وعن سابق إصرار بأنه خبير في شؤون الشرق الأوسط، شارك في الندوة الأميركية الأخيرة في معهد الدفاع عن الديمقراطية في جامعة جورج تاون، التي خصصت للتحريض على قطر وطاولت تصريحاته أيضاً عزمي بشارة.
وتعمدت صحيفتا الرياض السعودية والبيان الإمارتية تقديم واينبرغ بشكل مقطوع عن سياقه عبر إخفاء حقيقة وهوية وأجندات المعهد الأميركي المذكور، أي "معهد الدفاع عن الديمقراطية" وهوية القائمين عليه وارتباطه باللوبي اليهودي الأميركي الناشط لصالح إسرائيل. وتقود المعهد المذكور شخصيات صهيونية موصوفة، من بينهم السيناتور السابق، رجل "الأيباك"، جوزيف ليبرمان، ووزير الخارجية الأميركي الأسبق جورج شولتز، ورئيس وكالة الاستخبارات الأميركية السابق أيضاً الجنرال مارشال هايدن.
لكن المفارقة أيضاً تكمن في لهفة صحف خليجية تقود الحملة ضد قطر، في التقاط وتلقي ما يقوله واينبرغ وإسباغ الهالة الأكاديمية عليه، من دون فحص مواقفه وكتاباته على صفحات موقع المعهد نفسه.
ويتضح في هذا السياق مثلاً أن الرجل شارك في موقع المعهد بمقالة تحريض بالذات ضد السعودية، وضد الملك سلمان شخصياً، وضد وزير الخارجية عادل الجبير، قبل أيام معدودة من بدء زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى الرياض في 15 مايو/أيار الماضي، ناصحاً بعدم إعراب الثقة العمياء بما يقوله النظام في السعودية، لأنه، أي النظام السعودي (بحسب "الخبير في شؤون الشرق الأوسط ديفيد واينبيرغ" كما سمته الصحف التي شنت الحملة على قطر وبشارة)، "خطا خطوتين إلى الأمام وواحدة للوراء، فالسعودية لا تزال تنضح بتصريحات لاسامية معادية لإسرائيل واليهود، كما أنها تكرم علماء دين ورجال إفتاء يصفون اليهود بالخنازير ويحضون الفلسطينيين على الجهاد لإنقاذ المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية وتمتلئ صحف السعودية برسومات كاريكاتورية معادية لليهود" بحسب كلام الرجل الذي تتخذه وسائل إعلام عربية اليوم كمصدر لها.
واللافت في المقالة بشكل بارز أن "الخبير"، وعلى امتداد مقالته، يبدي عدم اكتفائه بالخطوات والتصريحات السعودية لجهة الوصول إلى تسوية وتطبيع كامل مع إسرائيل، وفق ما أعلنه أيضاً ترامب نفسه، بل أنه يستخدم خطاباً صهيونياً كاملاً يخلط بين الموقف من إسرائيل كدولة احتلال، وبين اليهود كأتباع ديانة، إذ يقرن في كلامه دائماً أن السعودية مثلاً، في هذه الحالة، "تواصل العداء لإسرائيل واليهود"، وصولاً إلى مطالبة السعودية بأن تتوقف عن "نفي إنسانية اليهود والإسرائيليين، وهذا يشمل أيضاً علاقتهم بالقدس والأماكن المقدسة، زيادة على ذلك على الرياض أن توقف محاولاتها لنزع الشرعية عن دولة إسرائيل لناحية العلاقة بين اليهود والقدس"، ومطالبة السعودية بالتجاوب المطلق مع شروط إسرائيل للسلام كما عرضها بنيامين نتنياهو.
هذا عن الخبير الذي استعانت به صحف سعودية وإمارتية في حربها ضد قطر وعزمي بشارة. أما معهد "الدفاع عن الديمقراطية"، فإلى جانب كون لجنة قيادته مكونة من الشخصيات الصهيونية الثلاث المذكورة، فإن أحد البرامج الرئيسية التي يحتفي بها المعهد، كما تظهر على صفحات موقعه الإلكتروني، يتألف من المشروع المسمى "رحلة الأمن القومي إلى إسرائيل"، إذ يتم تنظيم رحلة لمدة أسبوع في الأراضي المحتلة عام 1948 لباحثين في المعهد، يتم خلالها عقد لقاءات مع الجهات الإسرائيلية الأمنية والسياسية والاستماع إلى تحديات الأمن الإقليمي القومي الإسرائيلي وأخطاره، وبمحاربة الإرهاب.
وتُظهر مراجعة مقالات الخبير المذكور، واينبرغ (وهو غير دايفيد واينبرغ الإسرائيلي، مدير العلاقات الخارجية في معهد الدراسات الاستراتيجية على اسم بيغن- سادات في جامعة بار إيلان)، وآخرين من المعهد، التبني الكامل للمنطلقات والمطالب الأمنية الإقليمية لإسرائيل، وفي مقدمتها طبعا التفوق العسكري النوعي لدولة الاحتلال، وتبني خطاب إسرائيل في كل ما يتعلق بالاحتلال وبالحقوق "التاريخية" والتوراتية. وسبق للرجل أن نشر على مدار العام الحالي، مقالين تحريضيين ضد قطر والكويت متهماً إياهما بتمويل الإرهاب ورعايته، الأول في يناير/كانون الثاني 2017، وخصصه للتحريض على قطر، والثاني في فبراير/شباط 2017، حرّض فيه على قطر والكويت معا ًبتهم تمويل الإرهاب.
إلى ذلك، تتّضح من مطالعة صفحات موقع المعهد المذكور، العلاقة القريبة والحميمة التي تجمعه مع مسؤولين إسرائيليين، وفي مقدمتهم مرة أخرى السفير الإسرائيلي لدى واشنطن، رون ديرمير، الذي ينشر الموقع اقتباساً له عن المعهد يقول فيه ديرمير: تشكرونني على اللقاء مع رجال معهد الدفاع عن الديمقراطية لمدهم بالمعلومات، لقد أخطأتم في هذا الشق، أنا ألتقي رجال المعهد لأتلقى منهم المعلومات". عبارة لها دلالاتها الواضحة حول العلاقة المتينة بين هذا المعهد المحتفى به من قبل البعض في الخليج اليوم، وبين أحد أكثر سفراء إسرائيل في واشنطن يمينية في مواقفه ونهجه ونظرته الاستعلائية ضد العرب عموماً.
كما يستشهد المعهد في زاوية "قالوا عن المعهد"، باقتباس آخر عن البريغادير جنرال في جيش الاحتلال سابقاً، إفرايم سنيه، الذي شغل أيضاً منصب نائب وزير الأمن الإسرائيلي يقول فيه: "إن معهد الدفاع عن الديمقراطية هو المصدر الأكثر مصداقية في المعلومات الاستخباراتية عمن يتاجر مع إيران ومن يخرق العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها".
وبالعودة إلى الندوة في معهد الدفاع عن الديمقراطية في جامعة جورج تاون، التي احتفت بها صحف عربية، وبالنظر إلى الطبيعة الاستخباراتية عالية المستوى لمسؤولي المعهد وعلاقاتهم الوطيدة باللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، فمن الواضح أن المشاركين في الندوة، اختيروا بشكل دقيق، وبحرص تام لضمان نتائج "بحثية" مناسبة للخط السياسي المنوي تعميمه. وبالتالي يمكن القول إن المعهد المذكور اختار من بين باحثيه الكثر، ديفيد واينبرغ بسبب أفكاره ومواقفه، ولا يمكن استبعاد أن تكون جهات عربية خليجية ذات شأن ووزن على تنسيق مسبق لتنظيم الندوة واختيار المتحدثين فيها، بحيث يصب في خانة رفع مستوى الحملة على قطر وحركة "حماس". ومن غير المستبعد أن يكون الزج باسم عزمي بشارة من قبل واينبرغ، ناتجاً من التوافق التام بين واينبرغ نفسه ورون ديرمير سفير نتنياهو لدى واشنطن. فنتنياهو لا يزال يعيش حالة رهاب من مجرد ذكر اسم بشارة.
العربي الجديد