يقال إن خمسة آلاف وظيفة تتغير في واشنطن مع كل رئاسة جديدة، خصوصا إذا كان انتقال السلطة إلى الحزب الآخر، لكن عندنا لا تدوم الحكومات أربع أو ثماني سنوات ولا تنتقل من حزب لآخر، فلا يكون متوقعا خروج طواقم كاملة ومجيء أخرى، فتبقى التغييرات في السياق نفسه عبر الحكومات المتعاقبة، وفق الاعتبارات الخاصة بكل موقع على حدة. وبهذا المقياس تعتبر التغييرات الجارية هذه الأيام حدثا استثنائيا، ثم إنه ليس هناك أكثر إثارة للأردنيين من قضية التغييرات والتعيينات في المناصب، ربما بسبب غياب حياة سياسية حقيقية، حيث يدور الحراك السياسي الفوقي (في النخب والصالونات) حول التداول الشخصي على المناصب والمسؤوليات.
ثمّة أسباب إضافية للإثارة في التغييرات الأخيرة لارتباط الكثير منها بقضايا كبيرة وبالسياسات، خذ مثلا التغيير في إدارة ومجلس إدارة مصفاة البترول على خلفية مشروع التوسعة، الذي اقترن على الفور بتحويل ملفات للتحقيق لدى مكافحة الفساد، وقد نشهد المزيد في الأيام المقبلة اذا صحّت بعض المعلومات التي تمّ تداولها أمس.
التغيير في مجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون جاء امتدادا لتطبيق مدونة السلوك مع الإعلام التي تقرر في ضوئها إنهاء خدمات المستشارين الإعلاميين في الوزارات العاملين في صحف، حيث لن يعود ممكنا المزاوجة بين العملين. في ضوء ذلك استقال وزير الدولة د. نبيل الشريف من منصبه رئيسا لمجلس إدارة الإذاعة والتلفزيون واستقال رئيس مجلس الإدارة الجديد الأستاذ صالح قلاب من منصبه عضوا في مجلس الأعيان مكلفا أيضا بمهام مدير الاذاعة والتفلزيون بمغادرة جرير مرقة لموقعه. وطبعا هناك بعد سياسي لهذا الخيار، فقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن التلفزيون الرسمي في المعارك السياسية الكبرى لا يضرّ عدوا ولا يفيد صديقا بسبب الأسلوب المحافظ التقليدي الذي ينزل بمستوى فعاليته في هذا المجال وفي الأداء الإعلامي عموما.
من الواضح أن التغييرات تقدم للرأي العام نوايا حازمة في السير بنهج الشفافية والمساءلة والمحاسبة، وهو عنوان رئيس من عناوين الحكومة الحالية أكّد عليه جلالة الملك في لقاء البحر الميت قبل أيام. وتقترن قرارات التغيير بتحويل ملفات إلى مكافحة الفساد من دون تردد. وإذا صح بعض ما تردد من معلومات أمس فهناك المزيد على الطريق، لكن ليس كل الإقالات أو التعيينات هي بالضرورة في هذا السياق بل لعلها على العكس بدت غير مبررة مثل إنهاء خدمة مدير شركة الكهرباء الوطنية المهندس أحمد حياصات الذي كتب مقالا تحت عنوان "حتّى ولا شكرا ؟!" أو مدير بنك تنمية المدن د. إبراهيم النسور. ولا شكّ أن تعيينات أو إقالات يشتمّ منها رائحة الشللية والمحسوبية أو تصفية الحسابات تضعف هذه الاندفاعة، ويتوجب الحرص كثيرا على صيانة المصداقية بالانتباه إلى الانطباع العام، فتعيين خاطئ يسحب من رصيد عشرة قرارات صحيحة.
jamil.nimri@alghad.jo
جميل النمري