زمان ...في تلك القرية التي نسيها الزمان ...حيث الطفولة بمعناها الحالي لا تنطبق علينا ,فحدود عالمنا مثلث الطريق المؤدي الى قريتنا وان تجاوزناه فاننا لن نعود\" قصص الأطفال التي نأخذ منها العبرة هي التي تحكي عن (الغولة والرصد وأشياء اخرى مخيفة ) قصص أقسم الكبار بانها حدثت. فذلك المزارع الذي ذهب الى حقله وشاهد (الغولة ) وهي تناديه باسمه ضاحكة طالبة منه الزواج , ذلك الغريب عن القرية (الفقير ) الذي لا يجرؤ احد على ازعاجه بل تقدم له الأعطيات في جميع المواسم فهو الذي صاحبه نفر من الجن فشرع لعمل (الحجابات ) للأطفال فائقي الجمال لدرء الحسد عنهم,للموجوعين , لمن لا زالوا يستخدمون الحفاظات (الخروق ) بمجرد تجاوزهم سن (7 شهور).. للعازفين عن (الطهور) ..وهو من يعمل (الحجابات ) ايضا للتفريق بين المرء وزوجه...للمحبة ...للبغضاء.. وللتقريب بين (صلاح) وخطيبته التي تراه على هيئة وحش كلما زارها \"\"\"
زمان.. نرتقب قدوم (العيدين) من سنة لأخرى ليس لأنهما أعياد بمعنى الكلمة بل كنا نرى فيهما (يوم لتذوق الحلويات ) و (يوم لتذوق اللحم ) والأوفر حظا من الرفاق من يجمع من (أخواله) مبلغا لشرب أكبر عدد من زجاجات (الكولا) في ذلك اليوم ....
زمان . كنا نرى من العسكر العائدين من عمان والزرقاء وباقي المحافظات أبطالا ونجوما من (هوليود ) حين يروون لنا بطولاتهم داخل المعسكرات وخارجها .. لا يتخيل عقلي الصغير كيف أن لهم علاقات غرامية مع فتيات من المدينه -على حد وصفهم- جميلات كالنجمة التركية (سيبل كان ) .. كنت أنتظر عودتهم لقريتنا - لقضاء اجازتهم - بفارغ الصبر\"\"\"
زمان ...(كاميرا التصوير) عجيبة- كطفولتنا –من عجائب الدنيا ..فكيف أن تلك الاسطوانة الصغيرة توضع في بطن تلك الالة القادرة على انتاج أشخاص
هم نحن ولكن على ورق \"\"\"\"
تلك الالة موجودة فقط عند ثلاثة أشخاص في القرية , يستعيرها الأهل في المناسبات السعيدة النادرة الحدوث ,نتهيأ أمامها ( كعسكري) واقف أمام ضابط مع كتم أنفاسنا التي نطلقها بعد تلاشي الصوت والضوء الصادر منها \" أتذكر كيف أننا نضع راحات أيدينا على وجوهنا مقلدين (حميد الشاعري ) ,كيف نخرج السننا ونرفع أصابعنا مثل علامة النصر لنبدو ظرفاء , نبتسم مظهرين أسناننا العشرة التي هي كل ما لدينا داخل أفواهنا ..نحاول مزاحمين خصوصية الاخرين أن نظهر في كل صورة يتم التقاطها ...
زمان ...نحتمل سخرية وتمتمة (الدكنجي ) بل وشتائمه ايضا حين ترسلنا أمهاتنا لشراء بعض الحاجيات وحين نقول له (سجل على الدفتر )
زمان ..حين كانت ألعابنا المفضلة المشي على حافة الأسوار العالية ...اللعب بالنار ..صيد (الجنادب )...الاستمتاع بدوران (المراوح) التي نصنعها من علب (اللبن الفارغه ) ..صناعة السيوف -من بقايا الاشياء المعدنية والخشبية- للتحضير لمعركة ستدور رحاها (على بيدر ) القرية نحن أبطالها ... ممتطين عصينا كأحصنة سرعتها بنفس سرعة ركضنا, مطلقين (الغبار الكثيف ) خلفنا
زمان ..لا نشعر بفقرنا الا حين يبدأ (ابن جيلنا ) بتناول المثلجات (الاسكيمو) أمامنا ببطء شديد نكاية بنا, متباهيا بثراء أهله مقللا من شأننا
زمان ..كنا نطرد من بيت( ابن جيلنا ) بمجرد نضوج (صينية الدجاج) حين تطلب منا أمه مغادرة منزلها بحجة أن أهلنا يسألون عنا
زمان ..نشارك الحصادين فرحتهم بحسن موسمهم ..نشارك أهلنا قسوة الأيام عليهم .. نشارك الأموات وحدتهم ..نشارك أسراب طيور (ابوسعد ) هجرتها متمنين أن نحط في البعيد معها ...
رغم قسوة طفولتنا .....أتمنى لو أنها تعود \"\"\"\"\"\"\"\"\"