أعلم بأن العنوان ملغوم وسأترك للقاريء حرية التفكير بملىء الفراغ التالي للعنوان، وهو تمرين ذهني يوضح للفرد التركيبة السيكولوجية للذات، فإن راق له الجواب فبهذا كشف لسبور (الأنا) هذا الموضوع الذي أرّق البشرية منذ الأزل.
لقد خاض العديد من الفلاسفة في النفس والشعور والوجود، فقد أختص الفيلسوف الألماني فيشته (1762-1814) بدراسة مذهب الأنا وإعتبرها نقطة الإنطلاق في التأمل الفلسفي وخص كل إنسان بجزيرة لذاته لا يستطيع أن يغادرها إلا من خلال جسور من إختياره هو، أي يجب عليه أن يبنيها هو بذاته.
إن الأفكار مصدرها جزيرة (الأنا) التي تمد جسورها للجزر الأخرى ولكل جزيرة حيزها وفراغها الذي يحيط بها كالطيف الذي تتداخل ألوانه وتشكل عوالم مشتركة وأفكار متداخلة تحتفظ بخصوصيتها عند الضرورة وتهبط على شواطيء جزيرتها، جزيرة النفس والجسد. ولا مفر للمرء من التفكير بأن عالمه الخاص عالم إجتماعي أيضاً وأن (أناه) تنتمي لجماعة (الأناة) الأخريات التي فيها قواعد مشتركة للتفكير والعمل، فمن منطلق فيشته لا توجد إلا خطوة واحدة للإنتقال من موقعنا هذا إلى الفرضية الأبعد، فرضية الأنا الأعلى التي تريد العالم المشترك والحياة المشتركة.
في العالم المادي تحتاج الجسور التي يسعى الفرد لبناءها الى أفكار ومخططات ومواصفات تنقلها الى العالم الملموس، وحينها تصبح واقعاً فعلياً يمكن تقيمه، فإما أن يؤدي الجسر الوظيفة المطلوبة منه بالشكل والكلفة المعقولة، أو أن يتسبب الجسر بمشاكل مرورية وإجتماعية لم تكن بالحسبان، وقد أشارت دراسة بأن أكثر حالات الإنتحار تنفذ من على أجمل الجسور وأعلاها.
وبالعودة الى الجدل الدائر حالياً في الأردن والمنطقة حول دور الفن في مد الجسور بين الناس، والذي تطور لدرجة منع حفل موسيقى لفرقة شبابية لبنانية تحمل أسم (مشروع ليلى) بعد أن تمت إجازته سابقاً بدعوى أن الفرقة تتخطى المألوف وما استقرت عليه العادات الإجتماعية، فهل جاء المنع الذي ايده الكثيرين مقابل الإباحة التي دعمها جمهور عريض يرغب في سماع هذا النوع من الموسيقى بما تحمله من أفكار تتطرق الى (الأنا) التي تحاول نشر مكنونها الى جزر الأناة الأخريات كما اسلفنا، وهل يحق لها ذلك.
في علم النفس، فإن موضوع (الأنا) التي يحاول حامد سنو، المغني الرئيسي في مشروع ليلى أن ينقلها الى المجتمع من خلال الأغاني والرقصات التي يطرب اليها جمهور الشباب، فإن الفيلسوف سيغموند فرويد (1856-1939) قد رأى بأن الشخصية مكونة من ثلاثة أنظمة (الهي، والأنا والأنا الأعلى) بحيث تكون ال (هي) التي تعطي الطاقة للعضوية لتشكيل (الأنا) التي تتعامل مع الواقع بصورة شعورية وتتضمن النفس والذكريات والأفكار والمفاهيم والمعتقدات، ومن ثم (الأنا الأعلى) أو الرقيب ووظيفتها تنظيم سلوك الأنا، وهي تتساوى مع الضمير، أو ما يعرف بالقيم المجتمعية التي تنتقل من السابقون الى اللاحقون.
وحتى لو اطلت عليكم من خلال الفلسفة، إلا اني أرى ان النقاش الدائر حاليا في المجتمع العربي عموماً حول الهوية والجنس والحرية، هو حالة صحية لا يستقيم تقيمها الا من خلال العودة الى علم النفس الذي قد يرشدنا الى مفاتيح القرار بالرفض او القبول للقيم المجتمعية التي اسماها فرويد بالأنا الأعلى.
إن الشخص لا يستطيع تحديد مطالب (الأنا الأعلى) من خلال (الأنا) لأن لها الأولوية في إشباع رغبات الذات او (هي) فهي تحمي نفسها عن طريق ما يسميه فرويد بآليات الذات الدفاعية وهي مجموعة من الحيل النفسية التي تنكر الواقع وتشوهه وأهمها آلية الكبت والتي تمثل العملية التي تحول فيها الرغبات والشهوات الشعورية الى (لا شعورية) وبالتالي فليس من الضروري أن تتعامل معها الذات.
وبالتطبيق العملي للفقرة الأخيرة فإننا نرى بأن المثلية الجنسية هي شعور برغبة الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى، وهو شعور جسدي فسيولوجي يتملك حوالي 15% من البشر، فمنهم من يطلق العنان للذات أو ال (هي) ولا ينكرها، وبذلك ينتقل الى مصاف (الأنا) المنسجمة مع ذاتها، ومن الناس من يحاول ان يدفع بهذا التطور الى مصاف الأنا الأعلى حتى تصبح هذه الممارسة جزءاً من القيم المجتمعية، فهل تسمح الأناة الأخريات بذلك، بمعنى: هل يجوز إباحة اللواط وقوننة زواج مثليي الجنس بالأردن كما هو مسموح في بعض الدول.
أنه موضوع شائك، فالبعض يرى بذلك حرية والبعض الآخر يرى فيها هدماً للقيم المجتمعية، وقد وصل الإختلاف بمجرد السماح لفرقة موسيقية تطرح هذا الموضوع من خلال الكلمات المغناة الى وزراء في حكومة الملقي حيث دعمت وزيرة السياحة والآثار إستضافة الفرقة لتشجيع السياحة الترفيهية والتي اصبحت جزءاً مهماً من الحزمة التسويقية للدول واثبتت الدراسات بأن عدداً كبيراً من الشباب يحضرون للأردن من الدولة المجاورة لحضور مثل هذه الفعاليات الممنوعة ببلادهم وبذلك تنشط السياحة، وفي الكفة الأخرى نجد بأن معالي وزير الداخلية يرى الموضوع من منظور آخر رجح فيه الرفض على الإباحة من منظور الحفاظ على القيم المجتمعية أو الأنا الأعلى كما اشرنا سابقاً.
ليس مطلوب مني ككاتب ان اقرر الإباحة أو التحريم، ولكني ملتزم بتوضيح الأسس الفلسفية التي تساعد القاريء على اتخاذ الرأي المناسب، ولا نقول القرار، لأن القرار قد إتخذ، وأجهزة الدولة ستنفذ القرار، وعلى من لا يعجبه القرار العودة الى مصفوفة التركيبة الشخصية ليطورها بما يدفع بالمجتمع الى مراتب متقدمة، نأمل أن نصلها.