تعتبر الديمقراطية البريطانية من اعرق الديمقراطيات في العالم وأقدمها وارقأها من حيث التطور الدائم والمتجدد والأكثر تعاطيا مع التحولات ، وهي تأخذ بروح الأخلاق والشورى في احترام إرادة الأمة التي أرادها الإسلام ونتجاهلها نحن ، بيد إن نماذج الحكم العربي والمسلم ماثلة للمقارنة ماضيا وحاضرا ، تخلو من حالة راقية في الشورى واحترام إرادة الأمة ، والشواهد تثبت انتشار ممارسات واسعة في خرق كرامة الناس والتفنن في الحطّ من كرامة الإنسان وامتهانه ، من اجل سواد راي الأغلبية دون الإضرار واضطهاد الأقلية ، ، ولا أتكلم عن تلك التي تمثل توافق بضعة إفراد من امة مترامية الأمصار .
وهنا يمثل إمامنا بلاد يحكم رئيس دولتها او خليفتها بالردة والقتل على كل من يرفض البيعة او من يعارض أو يخالف أو يقدم رأيا أخر ، على اعتبار إن الخليفة اكتسب الحكم بمنحة الهبة وتمكنت بقدسية نبوية ورأي سياسي معصوم بوحي لا يقبل النقد أو النقض أو الاستئناف والتميز ، فإذا ما كان الدين كله اختيارا طوعا بلا أكراه كيف لنا إن نكفر من يخالف او لا يتقدم للبيعة .
واجزم إن لا يمكن أن تتحقق إرادة الأمة في حكم وراثي فردي مطلق السلطة او حكم مشيخات وعائلات تحتكر المال والسلطة والحكم وتلقي بالفتات إلى سائر الأمة الرعاع ، مع إن الدين ليس سلطة بينما جاء النبي صلى الله عليه وعلى والديه وبارك متمما للأخلاق ، لتحكم سلوكنا ليس على مستوى فردي فحسب بل في سواد الأخلاق في كل مناحي الحياة ، في الصحة والتعليم والإعلام والسياسة والاقتصاد والغذاء والدواء القضاء .
لما رأى الانجليز اليوم أن نظام دول الاتحاد الأوروبي الاقتصادي اخذ بالانهيار ، وان لا مناص من أن تنفصل بريطانيا لكيلا تواجه مصيرا مشئوما ان لم تنفصل ، ذهب الحكماء إن لابد من أن يقرر الشعب مصيره بيده ، ليكون القرار نابعا من إرادة الأمة ، احتراما لها ومشاركة للمواطنة في الحكم وتحملا للمسؤولية والتبعات ، تقرر استفتاء البريغزيت ، فاختار الشعب الانفصال ، فاستقال رئيس الوزراء الحاكم المنتخب جون ميجر لأنه مع الوحدة وأصبح فاقدا للشرعية بعد الاستفتاء العام من جهة ، واحتراما لإرادة الشعب وقرار البريغويت من جهة أخرى ، فورا استجابت الملكة لإرادة الأمة فعينت رئيسة الوزراء العاملة ألان تيريزا ماي لتنفيذ إرادة الأمة بالانفصال ، وإجراء كل ما يترتب من التحلل من اتفاقيات من اجل الانفصال ، ومنها اتفاقية لشبونة المادة 52 منها ، وقعت مع الاتحاد الاوروبي اتفاقية لشبونة في بلجيكا ، عادت الى البرلمان فشرحت ما جرى من سياسات ، واجهت معارضة شديدة لان البرلمان البريطاني لم يتأثر بالتغيرات والبريغزيت ، فقررت انتخابات مبكرة ليكون البرلمان الجديد ممثلا حقيقيا لإرادة الأمة مع ما حصل من تغيرات ، ولكي تتمكن من الحصول على أغلبية برلمانية تمنحها القوة في مواصلة مشوار البريغويت ، عرض القرار على البرلمان فوافق ، أجريت الانتخابات قبل أيام قلية ، أرادت بالانتخابات وقف الانقسامات داخل الواحد حفاظا عليها ووقف الانقسام ما بين الأحزاب ، ومعالجة الوضع الاقتصادي والتراجع الكبير في سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأخرى ،ومواجهة الاتحاد الأوروبي والشروط التي غلظها للانفصال ، وتعطيل محاولات الانقسام داخل المملكة المتحدة ، واستبعاد خصومها السياسيين داخل حزبها ومن الأحزاب الأخرى .
تراجع حبها في عدد المقاعد التي حصدها لان ماي تحاول التراجع في بعض قوانين حقوق الإنسان من اجل مكافحة الإرهاب ، ومارست سياسات التقشف ، ولم تولي الشرطة دعما ماليا وأمورا أخرى ، هنا تتغير قواعد السلوك السياسي استجابة لإرادة الأمة ومصلحتها لنتساءل اين نقف نحن من ذلك ؟؟؟ .