المدخل لتحديد معنى وطبيعة القضية المركزية يحتاج منا ابتداءً إلى فهم أن الإقصاء و التشبث بالرأي و استخدام لغة التخوين يعني أساساً، تحجر الرأي وغباء الفكرة.
لكل أمة قضية مركزية تتطور القضية حسب الاحتياج و التطور المتمدن الذي يصيب المجتمع، فوصلت بعض الدول إلى قضيتها المركزية و تحت عنوان الإنسان ،فصار الإنسان محور قضيتها و اهتمامها و انشغالها، وهذا نتيجة التطور الفعلي في التمدن و الذي يشمل التقدم العلمي و العلوم الطبيعية.
في الأمة العربية لم نتطور تمدناً لأن الأمة مقسمة ومفتته وعرضه للأطماع، فبقيت القضية المركزية تتحدث أو تتمحور حول ذات المضمون من عشر عقود التحرير و الوحدة ، ونتيجة الخلط بين المفاهيم من معتقدات دينية لرؤيا سياسية و منظور فكري، فرضت فلسطين كقضية مركزية ، ومع ظروف عامة عاشتها المنطقة مع تقلبات الرأي العام واستخدام القضية من قبل تنظيمات وقادة دول مدخلاً لتثبيت الحكم الدكتاتوري، رسخت القضية إعلامياً في العقل الجمعي كقضية مركزية.
وجاءت الأحزاب العقائدية والفكرية بالحديث أن فلسطين مدخلاً للتحرير و الوحدة ، واستخدمت من قبل أنظمة لتأخير التنمية وإقصاء الديمقراطية و استبدالها بالدكتاتورية المقنعة بالنضال العام للتحرير، فتحولت فلسطين من غاية ومدخل للمشروع "التحرير و الوحدة" إلى أداة تستخدم في استمرار التخلف و إبقاء النظام الرجعي قائم و تدعيم للدكتاتورية الحاكمة.
كم من المشاريع التي طرحت قبل عقود حول فلسطين و العقل السلطوي و السلوك النضالي المتزمت رفضها جملة وخون من أيدها تحت عنوان التسوية، وبعد سنوات ثقيلة عادت منظمة التحرير وباقي الأنظمة العربية و بتأيد من قادة رأ] و تنظيمات للموافقة على ذات الحلول و المشاريع، والفرق بين ما كان وما أصبح، إن المشاريع التي طرحت قبل عقود كان فيها العرب أكثر قوة وعندما صار العرب أكثر ضعفاً وتفككاً تم اللجوء لمشاريع التسوية.
بمعنى أن العرب بكل التكوينات السلطة و المقاومة والمزاج الشعبي في قوته رفض أي حلول وتشبث برأيه وعندما تراجعت قوته وضعفت صار يبحث عن حلول تناسب ترهل ساعده.
سنوات طويلة أدرك بعدها المفكرون و قادة الرأي أن الدولة القطرية الوطنية مدخلاً للوحدة، وخلال كل ما مضى كان الإهمال والتخلف سمة عامة للدولة القطرية فأنتج فريقين شعبياً الأول قطري حد اعتبار الأمة العربية شريك لغة فقط و الثاني بلا طموح وطني وساعي للوحدة وبهذا يبرر التخلف والتراجع العلمي بأن الدولة القطرية كيان مسخ.
الربيع العربي "الانتفاضة العربية" تحول إلى نزاع فكري بين قطريين و نابذين للقطرية وخلاف بين النابذين فمنهم من يرى أن القطرية وثنية و بديلها وحدة على أساس الخلافة و الآخرين يرونها صناعة استعمارية وبديلها دولة الوحدة.
وفي ظل هذا الخلاف ظهرت الفجوات التي من خلالها حول المستعمر بأدواته الربيع العربي إلى كارثة زادت من رقعة الخلاف و التشتت.
صار من الواجب القول أن القضية المركزية هي أولوية إستراتيجية و ليست هدفاً مرحلي و الهدف المرحلي وجب فيه التركيز على تنمية ونهضة الكيان القطري كمدخل أساس لمشروع التكامل العربي.
ولو كنا في صياغة الفهم ملتزمين بمشروع التنمية و النهضة للكيان القطري لكان محصن وطنياً ضد التشتيت المجتمعي أثناء مرحلة الربيع العربي.
والهدف الاستراتيجي في القضية المركزية لا يعني التجميد في ظل الهدف المرحلي، بين المرحلية و الإستراتيجية توأمة سلوك بدون الإستراتيجية لا يمكن حماية المرحلية وبدون المرحلية لا يمكن وضع و فرض شروط الإستراتيجية.
المزاج الشعبي وفرض الحال بالنسبة للوقائع ضمن رؤيتين الواقعية و الطموح صار من الجلي رؤية المشروع الفارسي خطراً عام على الأمة بمرحلتيها القطرية و إستراتيجيتها كقضية مركزية، فالمشروع الفارسي مشروع توسعي استيطاني يهدف للإضعاف و الابتلاع ، فخطر المشروع الفارسي يفوق بآلاف المرات أي مشروع أخر.
فالأولوية تفرض واقعها باعتبار المشروع الفارسي الخطر على وجود الأمة وعنوان هذه الرؤيا اعتبار دولة الأحواز المحتل القضية المركزية التي وجب أن تأخذ الأولوية القصوى .
ومن أسوء المداخل لتبني الأحواز قضية مركزية أن يكون المدخل لها عقائدي أو مذهبي، فبقاء التبني تحت عنوان ردع الخطر عن الكيان القطري و وحدة الأهداف القطرية بوجه المشروع الفارسي مدخلاً للتكامل القومي تحت عنوان الخطر المشترك.
إعادة ترتيب الأولويات فهماً وسلوكاً و غايةً تطور طبيعي للحركة المتمدنة المتطورة، والتمسك بذات الأولويات المطروحة منذ عقود يعني البقاء في ذات القالب الذي صار عرضة للتخريب بفعل العوامل الطبيعية من تطور مجتمعي وبفعل المستعمر كونه غير محصن وطنياً.