لقد فشلنا بكل شيء وامتهنا السقوط الشاقولي ودون تردد ، فنحن سقطنا في الوحدة الوطنية بامتياز وسقطنا بالاقتصاد وسقطنا بالعلم ..... وسقطنا بممارسة السقوط نفسه على أصوله عند استحقاقه .
علامات السقوط بائنة وواضحة للجميع ولكن معظمنا يرفض الاعتراف بها كمؤشرات انحدار نحو القاع ، فالتمترس الإقليمي موضوعنا هنا من اخطر المؤشرات وأصعبها ومرور الزمن دون الاعتراف بها كحد أدنى يؤدي إلى استفحالها وزيادة مخلفات ممارستها .
ومما يزيد الطين بله هو أن البعض يعتبر أن التمترس الإقليمي هو إحدى الحلول المعقولة للخروج من الأزمات التي تحبطنا وتتكالب علينا ، فهناك من يرى أن المشكلة الأساسية للبلد هي وجود تناقض إقليمي وتداخل للانتماءات مما قلل الفرص الاقتصادية والسياسية لكل طرف حسب الرأي السائد عند مجموعة من الإقليمين الجدد ، وبالتالي يستشعر البعض بأن الحل المنشود يكمن بخلع انتماء الآخر وإبعاده عن حق المنافسة في المجالات المدرة للفائدة حسب وجهة نظره .
وان لم تتمكن الأطراف المتمرسة خلف الدشم الإقليمية من طرح أجنداتها بشكل مباشر.... لكنها بالمقابل تعمل وفقها وضمن الإمكانيات الفردية المتاحة حتى باتت الآلية التي تعمل عليها هذه النوعيات تشكل مدارس في فن إبعاد الآخر عن المجال المطلوب ( تنقيته ) .
ومما يعزز مخاوفنا من تشوه أسباب المشاكل الفعلية للبلد هو إيجاد المسوغات الأدبية والأخلاقية والوطنية لهذا التمترس بل وربطه بالمبادئ والأخلاق والوطنية ، حيث يتم الطرح العلني لاختصار الشعب بحجج أشبه بسيناريوهات الأفلام الهندية .
ويحق لنا ونحن مقبلين على مرحلة الانتخابات البرلمانية أن نتساءل عن ازدواجية الشخصية التي يتمتع بها بعض مرشحي البرلمان الذين يظهرون بشخصيات ملائكية متلونة... فتراهم أحيانا إقليمين حين يستدعي الموقف جماهيريا ذلك ونراهم قوميين حين تختلط الأنساب في الناخبين ونراهم وعاظ ودعاة في صلوات الجماعة ونراهم يحملون الكلاشنكوف في مخيمات العودة ... في حين أنهم ليسو أكثر من صيادي فرص، فالمرشحين يدركون الهم الشعبي الحالي ويزيدون الهوة من خلال اللعب عليه ودغدغة العواطف المريضة لدى البعض.
وإلحاقا للسقوط المبدئي في فخ الإقليمية فأن التراجع الأخلاقي والأمني تعتبران إحدى مفرزات الطرح الإقليمي المفتوح على مصراعيه ، فلا بد أن تنتهز الفرص حين يشعر بعض الأفراد بان الوطنية درجات ، ففي نظر البعض هناك الدرجة المميزة وهناك الدرجة العادية وهناك الدرجة المؤقتة ، في حين إن شعور البعض بالظلم قد يولد عندهم حب الانتقام من المجتمع .... نجد في الطرف المقابل أن ذلك قد يثير نوعا من الشهوة الداخلية لدى البعض في إبراز هذا التميز بالاستهتار والغرور والإستقواء بالمركز الوهمي الذي تم الإيحاء له به طالما هناك اعتراف ضمني بوجود تدرج في القيمة الوطنية لأفراد الشعب فتصبح الأمور خارج عن السيطرة المنطقية مما يدفع الأمور إلى التصعيد الفوري عند أي اصطدام بسيط بين الأفراد .
إن الهم العام اكبر من التناقض الثانوي المطروح حاليا، حيث إن فصل الأردن عن محيطه العربي بمشاكله الخطيرة يعتبر نوعا من الانتحار البطيء، فانكفاء الهم الشعبي والإعلامي على المشاكل الداخلية الضيقة والاكتفاء ألانتمائي الضيق جدا كبديل عن الانتماء العربي الكامل هو مخطط صهيوني من الدرجة الأولى ، وإشغالنا في أنفسنا هو ابسط قواعد الخبث التي فشلنا في قراءتها لغاية الآن .
لا بد من وضع النقاط على الحروف لكي نتعلم على الأقل الآن أسس السقوط الحر وهو السقوط وقوفا للانطلاقة الجديدة نحو عالم عربي خال من كل الشوائب والمصائب وأول الخطوات تبدأ بمعرفة الداء.
جرير خلف