مما لاشك فيه أن الحلقات المتسلسلة للقاء الشاعر الفيلسوف أدونيس قد أحدثت حراكا في حياتنا الصحفية والأدبية والنقدية ، وقبل الغوص في تناقضات ما أوردته الحلقة التي كان أحد عناوينها نزار أكبر من دمشق ، وعملا بالمقولة من لا يتفق مع أدونيس فهو ليس ضده .
أبدأ بنقد ما جاء في مقدمة الزميل العزيز إسماعيل مروة الذي استطاع أن يستنبط من أدونيس ما لم يسبقه الى ذلك أحد لكن في مقدمة الحوار وردت مغالطة كبيرة فعندما يقول الزميل مروة : "كثير من الأدباء المبتذلين في حياتنا يتصدرون الحياة الثقافية والإعلامية، وبعضهم يلصق نفسه بأدونيس ومدرسته.." يظلم الأدب ويظلم أدونيس نفسه، فالأدب الحقيقي هو الذي يبقى مع الزمن الذي بدوره يغربل كل ما علق فيه من شوائب نخطأ عندما نقول عنها في زماننا الحالي أنها أدب بل هي في حقيقتها لا ترقى الى مستوى المتطفلين على الأدب وإلا لماذا عندما نسمع بمحاضرة أو أمسية للعديد من هؤلاء الطفيليين نجد الصلات وقد خلت من روادها بينما عندما نسمع ودون إعلان عن أمسية أدبية لأدونيس أو كوليت خوري أو العديد من الأسماء الكبيرة أطال الله في أعمارهم نجد الصالات لا تتسع لمريدي الأدب الأصيل .
فأن يتمسح هؤلاء بمدرسة أدونيس! فأدونيس ليس الأدب بل هو من نسيجه ، أما أن يكون له مدرسته الخاصة فهذا ما يقرره الزمن بعد سنين طويلة وليس الآن .
يا شـامُ ، يا شـامَةَ الدُّنيا ، ووَردَتَها ... بيت من الشعر للكبير نزار الذي ظلمه أدونيس وظلمه المانشيت الذي قال : نزار قباني أكبر من دمشق وهل لنزار أن يرضى بأن يكون أكبر من دمشق وهو القائل :
ودَدْتُ لو زَرَعُـوني فيـكِ مِئـذَنَـةً
أو علَّقـونـي على الأبـوابِ قِنديـلا
نزار قباني كبّر بدمشق ولم يتكبّر عليها ولو كان على قيد الحياة لتعجب ممن يعتقدون أنفسهم أنهم أكبر من القبلة الأولى والعشق الأول والفقر الأول والوطن الأول ...
نزار الذي قال :
دمشقُ، دمشقُ..
يا شعراً
على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
هل كان ليرضى بأن يكون أكبر من الشام؟! الشام ومن أكبر منها وهي الصبية الدائمة الحسن والشباب ، الشام تلك الحبيبة في أشعار نزار :
شام.. يا شام.. يا أميرة حبي
كيف ينسى غرامـه المجنون؟
لقد أحببنا الكبير نزار قباني لأنه أحب الشام بل لأنه لم يجد نفسه يوما أكبر من المكان الذي يكبر بمن يستحقون الانتماء إليه وتخليده في قصائدهم وهذا ما فعله نزار عندما قال :
كتب الله أن تكوني دمشقاً
بكِ يبدأ وينتهي التكويـنُ
لقد خلّدت دمشق فيروز عندما غنتها بأشعار الرائع سعيد عقل والألحان المبدعة للأخوين رحباني فهل نقول أن سعيد عقل أكبر من دمشق وهو القائل :
شامُ يا ذا السَّـيفُ لم يَغِبِ
يا كَـلامَ المجدِ في الكُتُبِ
قبلَكِ التّاريـخُ في ظُلمـةٍ
بعدَكِ استولى على الشُّهُبِ
نحن نعشق نزار ولا نريد لأحد أن يحدد مكانته ، أما الحوار فقد أسقط سهوا أو قصدا تناقضات أدونيس فوجدنا أنفسنا نحب شعره ولا نحب تناقضاته فكيف لشاعر كبير أن يعود الى بلدته الصغيرة الغافية على شاطئ المتوسط ليقول: قصابين لم تكن لتعرف من دون أدونيس.
من الصعب أن يتكلم الشخص عن نفسه. لكننا نعرف أدونيس سوريا وقصابين هي القطعة الجميلة المثبتة على الخريطة السورية .
ثم عندما سأله الزميل مروة في سورية ألا تقول ما تشاء؟
أجابه لا، لا أقول ما أشاء،...... أبداً
الا أننا في هذا الحوار سمعنا عبر حلقات متتالية ما لم نسمعه من أدونيس لا في بيروت ولا في غيرها .
ثمة حلقة مفقودة في أجوبة الشاعر الكبير أدونيس فكيف يقول : أنا أعرف اتحاد الكتاب فهو لا يمتلك أي قيمة أدبية ، ثم يطالب الاتحاد با صدار بيان اعتذار له ؟!
أقول في نهاية الحديث وليس للحديث نهاية مع متابعة حلقات الحوارية الإشكالية مع أدونيس. بأن سورية هي قبلة الدنيا ولا يوجد أي شخص أكبر منها بل عندما يكبر السوري يكبر بسوريته وليس العكس .
ميساء نعامة