بضعة أيام تفصلنا عن اليوم الحاسم والمحدد بإجراء الاقتراع لاختيار أعضاء المجلس النيابي السادس عشر, في التاسع من تشرين الثاني لعام: (2010), الحكومة تعهدت والتزمت بتهيئة كل الظروف والوسائل لتسهيل وإتمام الانتخابات على أكمل وجه وقطعت العهود على نفسها بأن تشرف على الانتخابات بأعلى درجات النزاهة والشفافية والحياد بجدية, وأنها لن تتوانى في مكافحة كل ما من شأنه التأثير على نتيجتها, وفي مقدمة ذلك المال السياسي والواسطة والمحسوبية وأي تدخل غير مشروع.
المراقب والمتابع للمشهد الانتخابي يلحظ وبأمانة أن الحكومة جادة وملتزمة حتى الآن بما وعدت, وأن معظم بل أغلبية المواطنين والأحزاب والقوى السياسية ومؤسسات وهيئات المجتمع المدني باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي وبعض أصحاب الأجندات الخاصة, راضيةً عن الإجراءات التي اتخذتها ونفذتها الحكومة لإتمام وإنجاح هذا الاستحقاق الدستوري والديمقراطي, ويجمع الكثيرون على إن الحكومة – هذه المرة – لن تتدخل في الانتخابات ولن – تُزوِّر – وإنها جادة بذلك, وأنها – أي الحكومة – دفعت بالكرة إلى ملعب الناخب مراهنةً على وعيه وضميره وأخلاقه ووجدانه في اختيار المجلس النيابي القادم.
لكن...! وللأسف ومن خلال احتكاكي وتواصلي مع الناس على مدى الخمسة شهور الماضية, أقولها بصراحة, مؤكداً ما كتبناه سابقاً, أننا لن نكون أمام مجلس نيابي يرقى إلى طموح وتطلعات جلالة الملك وطموح الأوفياء المخلصين من أبناء الوطن, لأن الوعي لمَّا يكتمل بعد لدى أكثرية الناخبين, ففي ظل غياب حزب جبهة العمل الإسلامي وابتعاده عن ساحة الانتخابات, انقسم من لهم حق الاقتراع إلى أربع فئات: فئة أبناء العشائر الكبيرة والمؤثرة والتي لها أصوات كثيرة وأجمعت على مرشح واحد يمثلها, هذه الفئة سوف تتوجه للصندوق لاختيار مرشحها, أما الفئة الثانية: ترغب في الاقتراع والتصويت لمن يدفع المال مقابل الصوت ويحقق لها المنفعة الشخصية والذاتية بغض النظر عن كفاءته ونزاهته واستقامته, مما دفع بالكثيرين ممن كانوا يرغبون في خوض الانتخابات ولا يملكون المال إلى العدول عن الترشح لأنهم غير قادرين على مواجهة المال السياسي الذي سيطر على ضمائر الناس وعقولهم, أما الفئة الثالثة: فهي فئة ترى أن لا مصلحة لها في التوجه إلى صندوق الاقتراع لأنها فقدت ثقتها بالحكومة والنواب معاً, واختارت الاستسلام والخنوع والخضوع وقبول الأمر الواقع, جاء من جاء, وذهب من ذهب, لا يعنيها ذلك بشيء, أما الفئة الرابعة: وهي تلك الفئة التي استجابت لرغبة جبهة العمل الإسلامي بالمقاطعة وقررت عدم المشاركة وحجب أصواتها.
وأمام هذه المعطيات التي استخلصتها بالملاحظة والمشاهدة والاستماع والحوار, اجزم وأقول: أننا سنكون أمام مجلس نيابي سادس عشر أسوأ من سابقه, هزيل ضعيف غير كفؤ, سيحرج الدولة والحكومة, ويعيق ويشوه ويسيء للديمقراطية, وبالتالي سينعكس ذلك سلباً على توجهات الدولة الإصلاحية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً, فالمتصفح لأسماء المترشحين في كافة دوائر المملكة الانتخابية يرى أن الأسماء التي حسمت وضمنت فوزها هي في معظمها وأغلبها من أبناء العشائر الكبيرة والمؤثرة والتي أجمعت على مرشح واحد, وغالباً ما يكون هذا المترشح صاحب مال أو إرث سياسي أو وجاهي, أما البقية فهم من أصحاب الملايين والشركات الكبرى, المسيطرة على القطاع الاقتصادي وتتحكم به, ممن نهبوا المال العام واشتروا ضمائر الناس وساهموا وما زالوا, نتيجة طمعهم وجشعهم في تردي وضعنا الاقتصادي والاجتماعي وكانوا مسئولين في كثير من الأحيان عن أزماتنا المتلاحقة.
باختصار هذا هو المشهد الانتخابي لانتخابات هذا العام – كما أرى – والذي يتحمل حزب جبهة العمل الإسلامي المسؤولية الدينية والأخلاقية والأدبية في رسم الجزء الأكبر منه, بسبب مقاطعته وابتعاده, ليكون الخاسر الأول هو الوطن وقضاياه المصيرية... فالانتخابات إذن – صدقوني – لن تكون في مستوى المصلحة الوطنية, وستكون نتيجتها مؤلمة وأشد إيلاماً من سابقتها, إن بقيت توجهات الناخب كما أسلفت, اللهم إلا إذا تدخلت الحكومة وَزَوَّرت النتيجة لصالح الوطن ومصلحته الوطنية العليا, وانتصرت للنزاهة والاستقامة والكفاءة والأمانة, وهو مطلب بدأ بعض العقلاء تداوله وتدارسه, إن كانت الحكومة حقاً متجهة نحو الأحسن والأفضل للبلاد والعباد, وراغبةً في أن تكون بمواجهة مجلس نيابي صاحب علم واختصاص لا مجلس جهل وتبعية ومصلحة شخصية وذاتية, وإلا ستعاني الحكومة من جديد ويعاني الوطن والمواطن معها وسترتفع أصوات المطالبين بحل المجلس وإجراء انتخابات جديدة.
Email: moeenalmarashdeh@yahoo.com