أنماط جرائم الأحداث الجانحين في الأردن؟ حقائق وأرقام؟! وأعلى نسبة جريمة ؟
هذا ما كشفته رسالة الدكتوراة للكاتبة, والمقدمة لقسم علم الاجتماع في جامعة مؤتة , لعام 2009على عينة مكونة من جميع الأحداث الجانحين في جميع دور تربية وتأهيل الأحداث في الأردن, وللمحكومين فقط , وتوصلت الدراسة إلى أن سلسلة الجرائم المقترفة من قبل الأحداث, هي كما يلي جريمة السرقة احتَّـلت المرتبة الأولى في سلم جرائم الأحداث بنسبة (57.5%), يليها هتك العرض ( 18%) ويليها السلب (6%) ويليها القتل (5.5%), ثم الشروع بالقتل 5%، والعاهة المستديمة (4%)، ويليها تجارة المخدرات (2%)، ويليها المشاجرة (1.5%) وأدناها تزوير العملة (0.5%). سأكتفي بتقديم أعلى الجريمتين (السرقة ,وهتك العرض ) وسأكتفي أيضا من خلال هذه المقالة بتقديم جريمة السرقة فقط, لكي تأخذ كل جريمة حقها الوافي في الطرح, فهي (ظاهرة) وليست حالة فردية في المجتمع, وفي المقالة التي ستلي هذه المقالة, مباشرة بإذن الله سيتم طرح (جريمة هتك العرض ) .
لوحظ من خلال العديد من المقابلات التي أجريت للأحداث الجانحين, أن هناك العديد من العوامل التي تقف وراء ارتفاع نسبة السرقة لدى الأحداث, وسيتم عرض هذه التفسيرات خلال العديد من المنظورات, الدينية , والنفسية والاجتماعية, والاقتصادية ) ومن خلال طرح التفاسير المتنوعة لارتفاع نسبة السرقة,تكون (الحلول للظاهرة ) ضمنيا.
فمن خلال المنظور الديني, إن التخلف عن دفع الزكاة التي هي فريضة مالية, وركن من أركان الإسلام, وحق من حقوق العباد , تؤدي إلى تفاقم وارتفاع نسبة السرقة, قال تعالى : : {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}(الذريات:19). ومنع الزكاة تُسبب خللاً في المجتمع. وتفاوتا كبيرا في الطبقات الاجتماعية والاقتصادية وعدم التوازن, وإن عدم توظيف الزكاة, في القضاء على مشكلتي الفقر والبطالة, يؤدي حتما إلى ظهور الفساد, المتمثل كما نراه الآن من سرقة, وسلب وغيرها من الجرائم. ثانيا إن تخلف البعض, عن الصدقات وان كان المال زهيدا, أو بحجة زيادة العبء على الأسرة, وتدني مستوى الدخل, متناسين أو متجاهلين, أو غافلين,أم عميت أبصارنا عن (الصدقة ), هي التي ستزيد المال وتثريه كما قال الرسول عليه الصلاة السلام (ما نقص مال من صدقه). لا ادري يا أحبتي لو خصص كل منا عشرون دينارا, شهريا للمحتاجين, أو لكفالة يتيم, لن تقصم الظهر, لا بل ستكون عمد من عماد البيت لسعة الرزق والبركة, أفضل لنا من الزيادات البائسة التي نرنوا إليها ؟!
إخوتي "أخاطب نفسي قبل أن أخاطبكم, نحن بحاجة إلى أن نَذكـــُر ونُذَكِّر, أنا أجد يا إخوة بأننا نتحمل جزء من مسؤولية سرقة الأحداث الجانحين, ونتحمل مسؤولية استقرار المجتمع, لأنَّ استقراره أمانة بعنق كل منا, كل حسب الدور المنوط إليه, سواء فرادى أو جماعات, أو مؤسسات رسمية, وغير رسمية , فنحن كفرادى لم نؤدي ما علينا من حقوق العباد, فالمال الذي بحوزتنا سواء قَـلَّ أم كَثُر, مالُ الله وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ (النور,33) و نحن (مستخلفون)به, حتى لو كان راتبا شهريا زهيدا فقط, يوجد حق معلوم للفقراء والمحتاجين وابن السبيل والأيتام, سُئل الرسول عليه الصلاة والسلام :أي الصدقة أعظم أجراً ؟ قال : أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر ، وتأمل الغنى. ولكننا للأسف, عندما نحصل على رواتبنا الشهرية نقوم بتوزيع النفقات على جميع المسؤوليات, متناسين بأننا هضمنا حق الفقراء, واختزلناهُ بشراء بنطال أو حقيبة أو حذاء, للأسف! لا بد أن نبدأ بالصلاح بأنفسنا قبل البدء بصلاح الآخرين. إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ(الرعد,11)
وعلى الصعيد الآخر تُعتبر العقوبة الرادعة, عاملا هاما في تخفيض نسبة الجرائم, وإلا لما شرع الله سبحانه وتعالى قطع يد السارق, قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة : آية 38 ) فحينما شرعت عقوبة للسارق, في التشريعات والقضاء غير التي شرعها الله عز وجل, كان ذلك عاملا هاما في زيادة نسبة جرائم السرقة في مجتمعنا.فهنا تتحمل التشريعات والقضاء الأردني مسؤولية كبرى بتفاقم السرقة لعدم الحكم بما جاء به خالق البرية والبشر " أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(الملك ,14)
وبالعروج للظروف الأسرية التي يعيشها الأحداث, نجد فقدانهم للدور الفاعل, الذي تقوم به الأسرة, من خلال التنشئة والرعاية وعدم الرقابة والإشراف, وعدم القدرة على تنمية الوازع الديني والأخلاقي في سنوات الطفولة, والذي بدوره ينمي الضبط الذاتي, مما يؤدي إلى انضمام الأبناء, وقضاء أطول الأوقات خارج البيت مع رفاق السوء.
ومن جانب آخر قد يعود سلوك البعض في السرقة, إلى التقليد والمحاكاة لبعض النماذج التي يعيشون معها كما أكد بذلك العديد من علماء مدرسة التعلم الاجتماعي (سذرلاند واكرز وسايكس وماتزا) , حيث لوحظ من خلال العديد من المقابلات, بأن العديد من الجانحين ينتمون لأسر تمارس الانحرافات سواء سرقة أو مخدرات أو غيرها.
وقد يعوَّل ارتفاع نسبة السرقة, إلى تدني المستوى الاقتصادي لدى أسر الأحداث الجانحين, وعدم مقدرة الأسرة على إشباع حاجات أبنائها, لأن الأسرة ذات المستوى الاقتصادي المتدني غير قادرة على إشباع الحاجات الأساسيَّة للانتقال للحاجات الأخرى (كتحقيق الذات) , وبالتالي يُعيق نمو الفرد جسديا ونفسيا واجتماعيا, وهذا يؤكد أيضا ما جاء به ويلسون Wilson عام 1980, وبالتالي قد يضعف الفرد في مواجهة الاحباطات, والضغوطات الداخلية, والخارجية, مما يقود للانحراف.
ومن جانب آخر لوحظ بأن سرقة الأحداث يغلب عليها طابع سرقة الشوارع, Street- Robbery فهناك العديد من العوامل الثقافية التي ترتبط بحياة الشارع , تشجع الأفراد على القيام بالسرقات لدى مرتكبيها من خلال الخضوع لمبدأ المنفعة والتي تعتمد على الاختيار العقلاني (أي الموازنة بين التكلفة والمنفعة), والذي هو نتاجا للرأسمالية والعولمة, التي سيطرت على مجتمعاتنا,كما أكد بذلك العديد من علماء الجريمة.
وبالمنظور السيكولوجي (النفسي) قد تعود السرقة إلى اضطراب في الذات لدى المرتكب, أو الحاجة للعنف والانتقام,(كتفريغ انفعالي للمكبوتات ), أو للزيادة في رفع مكانته خلال رفاقه, أو رغبة في المخدرات, والتملك المادي, ففي ضوء العديد من المقابلات وجد بأن العديد من الأحداث يرتكبون السرقة لا لحاجة مادية, ولا للإنفاق على أسرهم الفقيرة, بل لشراء المسكرات, والمخدرات بحجة نسيان الهموم والألم والشعور بالسعادة, (Bruce, 2008 ) . ويجدر الإشارة أيضا أن السرقة قد تعود لاضطراب نفسي وليس نتيجة لعوز أو فقر مادي, لا بل قد تقف وراء السرقة عوامل نفسية, فهناك نسبة 5% ممن يسرقون دون أي حاجة, وقد يعود ذلك إلى أخطاء في أساليب التنشئة الوالدية للأبناء, كالإحباط الزائد, والتدليل الزائد لحاجات الطفل, فقد يسعى الفرد للسرقة برغبة الاستحواذ والتملك لما حرم منه ماديا في سنوات الطفولة, فتكمن الحاجات غير المشبعة, إلى سنوات المراهقة والسعي لاشباعها إما بطرق ووسائل مشروعة أو غير مشروعة, فهناك فروق فردية بذلك. ويمكن رؤية سرقة الأحداث كما اقترحه سايكس من وجود قيم خفيه أسماها Subterranean Values
يسعى نحوها الأفراد كالتمتع والإثارة والعنف فليس كل شخص لديه قيم الطموح وحب العمل وهذه القيم يشترك بها جميع الأفراد من جميع الطبقات.ألا يؤكد ذلك الى وجود خلل بمنظومة القيم الفردية والمجتمعية في مجتمعاتنا العربية.
ويمكن القول أيضا أن الأنشطة الروتينية, Routine activity التي يمارسها الناس من خلال ترك منازلهم لساعات طويلة, يقضونها في العمل أو غير ذلك يُعد فرصة سانحة لدى الأحداث لارتكاب جريمة السرقة, وخصوصا عند توفر الفرصة وغياب الرقابة غير الرسمية (كالجيران ), فالمجتمع لم يعد كالسابق, فتطور المجتمع من البسيط إلى المعقد,كما أكد بذلك عالم الاجتماع الشهير "دوركايم"
, وتطور العلاقات بين الناس من الاتفاق إلى التعاقدية المبنية على المنفعة, أضعف العلاقات الاجتماعية بينهم فهناك العديد ممن يعيشون في بناية واحدة لسنوات عدة, ولكن لا يعرف بعضهم بعضا فكل ذلك ساعد على تيسير ارتكاب جريمة السرقة.
ويمكن تفسير سلوك البعض في السرقة إلى اتخاذها كمهنة, Career Criminal, كما أكد بذلك العالم سيلين, حيثُ صرَّح بذلك 10% من الأحداث في دور التربية عند سؤالهم عن أسباب اللجوء للسرقة, أجابوا بقولهم بأنهم يتخذونها مهنة لهم, وذلك لجلب النقود لشراء ما يريدونه, وتحديدا لشراء المخدرات والتبغ والكحول رغبة في البحث عن السرور والسعادة, ونسيان الآلام والأحزان. فعند طرح سؤال على احد الأطفال الجانحين لماذا تلجأ للسرقة ؟أجاب كما ورد حرفيا على لسانه : "يا مس انتي ليش بتشتغلي وبتروحي على الدوام مش عشان تجيبي مصاري آخر الشهر , طيب و أنا كمان بصحى الصبح وبفطر وبطلع للشغل وبشتغل سرَّاق؟! وكل يوم السهرة على واحد يشتريلنا حشيش ومسكرات هو حر يدبِّر حاله إن شاء الله بسرق أبوه وأمه . ("بِقَدَر ما أضحكتني الإجابة بِقَدَر ما آلمتني" ), هل هناك خلل بمفهوم النمو المهني لدى أبنائنا ؟! هل أصبحت المخدرات والمشروبات الروحية وسيلة لنسيان الآلام والهموم ؟؟! من أين تسرَّبت لهم هذه الثقافة واعتنقوها ؟!؟ أين (ذكر الله الذي تطمئن به القلوب )؟؟!! ............., اعتذر للإطالة, ولكن هذه الظاهرة تحتاج مجلدات وليس مقالة. واقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير, njoodmajaly@yahoo.com