بعد صدٍ ورد...، تباينت وجهات نظر جميع الحاضرين في بيت أحد الأصدقاء، حول سؤال كلاسيكي طرحه أحدنا وهو: ما هي أمنيات كل منّا للأردن؟ وبعد أن اتفقنا جميعاً على التمنّي له بالخير وكل الخير، اختلفنا على الخير، ماهو، وكيف، وأين يكمن...، وعلى ذلك توادعنا، وكلّ منّا تمنى الخير للآخر، وأن يُصبح على خير، دون أن نعرف للأسف أين وفي أي شيئ هو خير الأردن...!!!
لقد تاهت أمنياتنا وشتّتنا الأحداث، اختيار بين السيئ والأسوأ، وأقل الضّررين لاستقبال ورطة جديدة، تحاول أن تهرب منها إلى أخرى أقل وطأة، وتدهشك فى كل مرة قدرة البعض على أن يصوروا للناس أن الخلاص من هذه الورطة هو انجاز عظيم وسعيد بحد ذاته، فنقتنع ونخرس حفاظاً على الاستقرار، فنكمل ونسير من أمنية إلى زَيْن ومن زَيْن إلى أمنية إلى أن نُفصل عن الحياة...!
تحولت أمنياتنا من طويلة الأجل إلى قصيرة الأجل، نتمنّى يوماً بيوم، نعبر امتحان اليوم لنجهّز لامتحان الغد، فالامتحانات كثيرة ولا تنتهي والرّاسب أكثر من الناجح لصعوبتها وشدتها، تُمنح الفرصة للشباب اليوم فيتم سحبها غداً ونصمت، تمنينا أن ينتهى الفساد، فتمسكن وتمكّن بصورة أكبر إلى أن صار عُرفًا ممنهجًا أصاب الجميع إلّا من رحم ربي، تمنينا أن يعتلي المشهد أناس حسبناهم نخبة وبارزين بعينهم، فتخلّوا عن كل شيئ، وانقلبوا على أعقابهم، ليزيدوا المشهد سوءاً وإرباكاً، تمنينا الحرية للجميع، فتُرجمت إلى بلطجة واغتصاب ونهب وسلب وسرقة....، تمنينا أن يعلو الصوت الحر الجريئ الناقد، فتحوِّل أو حوِّل للأسف إلى (هجيني) و (مجوز) وتنظير وجهل وتطرف، تمنينا من أجل البلد والحفاظ على نعمتنا أن تُدار الأمور الأمنيّة بشدة وحزم أكثر، فصدمنا بإدارة أمنية تتعامل مع الخطأ والمخطئين والفسدة والفاسدين بمبدأ: حبيبي آسف أزعجتك! تمنينا..., وتمنيننا...، إلى أن أصبح التّمنّي خبرة أليمة ويُخيفنا، وكلما آلمنا وأخافنا نعود له من جديد، فلا نملك غيره لخفض ما فينا من تمنّي، فتبّاً له من خافض...!
لقد أضحى كلّ شيئ عكس أمنياتنا، ودون كلل أو ملل، جرينا كثيراً (بطابه وبدون طابه)، قفزنا من نقطة إلى نقاط كثيرة لها أول وليس لها آخر، ودون أن نعلم لماذا أو كيف، إلى أن عجزنا للأسف أن نعود إلى النقطة التي بدأنا منها أو على أقل حال أن نكمل التي وصلنا إليها... .
ويسألونني ماذا أتمنى للأردن أو عن أمنياتي لها، فأردد لأجيب على هذا السؤال بما قاله الرّائع خالد الفيصل في إحدى قصائدة، والتي غنّاها المبدع محمد عبده:
فيه سحابه على وجه التّمني شِفتِ عمري خيالٍ في سحابه
وبكل صراحة ووضوح وقناعة: أتمنى أم لا أتمنى، (كلّه زي بعضه)، فالأردن منذ زمن لم تعد تلتفت أو تهتم لأمنيات أحد مهما كان، فهي تعمل (اللي بدها إياه بس).
ويارب تفرج ونفرح...!
د. صالح سالم الخوالدة