زاد الاردن الاخباري -
لم تمد ارضية قاعة وهبه تماري في النادي الارثوذكسي مساء امس الاول, تحت اقدام جمهور محاضرة الاستاذ الدكتور نجيب ابو كركي, ولم »تزلزل الارض زلزالها«, لكي يلجأ المرء لمكان ما يحميه من كارثة ماحقة قادمة, ولكن ذهول بدا على وجوه الحضور, وهدوء سيطر على القاعة, والمحاضر يؤشر بالمؤشر »الالكتروني« على خارطة تبين مواقع الزلازل التي وقعت خلال الساعات القليلة الماضية, ولعل تعبير سيدة وشوشت جارتها قائلة »اشعر ان الارض تتشقق تحتي« يمثل حالة جمهور المحاضرة التي جاء بعنوان »حديث الزلازل والحركات الارضية في منطقتنا«, ومع ان المحاضر حاول طمأنة الحاضرين بقوله ان المنطقة العربية تقع ضمن مناطق النشاط الزلزالي المعتدل نسبيا, الا ان ذلك لم يقنعهم لكي يحركوا اطرافهم او يتململوا, فقد التصقوا بمقاعدهم من دون حراك.
المحاضرة انقسمت الى جزئين, الاول جاء زاخرا بتفاصيل الزلازل التي وقعت في العالم تاريخيا, المدمرة منها وتلك التي كانت ناعمة رفيقة بالناس وبالحجر, وقال ان ايران وتركيا اكثر بلدين في المنطقة تتعرضان لزلازل, فتركيا على سبيل المثال تتعرض كل يوم لعشرة زلازل صغيرة من ذوات الدرجات المنخفضة من »الريختر«, وبشكل عام فإن الزلازل المدمرة هي التي تتجاوز درجتها 6 »ريختر«, وأما الهائلة فهي التي تتجاوز 8.5 »ريختر«, والاخيرة لا تقع سوى مرة واحدة كل 60 عاما, والمنطقة العربية تاريخيا لم تتعرض لمثل هكذا زلازل, ولا يتوقع حدوثها, وبشكل عام فإن المنطقة تتعرض كل مئة عام لزلزال قوته 6 ريختر فقط.
زلزال فلسطين الذي حدث عام ,1927 واحدث دمارا كبيرا في فلسطين والاردن على السواء, واوقع اعدادا كبيرة من القتلى كان اكبر الزلازل في المنطقة خلال القرن الماضي, واما زلزال العقبة عام ,1995 الذي كان اكبر من زلزال »هاييتي« الاخير على سبيل المثال, فلم يوقع سوى 69 قتيلا, خلافا لما حدث في »هاييتي«, وذلك لأن مركز الزلزال كان بعيدا عن العمران, اضافة الى ان المباني في الاردن بشكل عام قوية مقارنة مع غيرها, وهذا الامر وفقا لما جاء على لسان »ابو كركي« يستدعي ابداء مزيد من اهتمام »الهندسة المدنية« بالبعد الخاص بالزلازل عند تصميم المباني وتشييدها, فالدول التي تتعرض لعدد كبير من الزلازل مثل اليابان, تعمل جاهدة على تطوير انظمة البناء لتكون مقاومة للزلازل وحركات الارض, وهذا الامر من شأنه حماية ارواح ملايين الاشخاص المعرضين للخطر في حال حدوث زلازل ان لم تراع الدول اخطار الزلازل في أنظمة »كودات« البناء لديها.
الجزء الثاني من المحاضرة تركز على الاردن وما يمكن ان يتعرض له في المستقبل, خاصة ان المنطقة تعرضت لزلازل عبر التاريخ, مثل زلزال عام ,1068 الذي دمر مدينة الرملة الفلسطينية كما ورد على لسان العالم العربي »ابن الجوزي«, ولكن الاخطر من الزلازل المتوقعة, التي يكون مصدرها حركة الصفائح في باطن الارض, هو ما يحدث الآن في بيئة البحر الميت, جراء انحسار ثلث مساحته, وانخفاض مستواه خلال العقود الستة الماضية, ومع ان »ابو كركي« لم يذكر اسرائيل بالاسم, وهو يتحدث عن الاخطار التي يسببها تدني مستوى التغذية الطبيعية للبحر الميت من المياه, لجهة مسؤوليتها عما اصاب البحر الميت من مشكلات, بعد ان قامت بتحويل مجرى مياه نهر الاردن, وأخذت تنقل اكثر من مليار م3 من المياه سنويا عبر »الناقل القومي« حسب التعبير الاسرائيلي الى حوض »تل ابيب«, وتخلطها بمياه عادمة, ومن ثم تضخها الى النقب في الجنوب, ولكن المحاضر اكد اهمية مشروع قناة البحرين »الاحمر - الميت«, التي يتطلع الاردن الى انشائها, لاعادة البحر الميت الى سابق عهده, وتوفير كميات من المياه للشرب وللري, اضافة الى الطاقة النظيفة.
استعرض د. »ابو كركي« في محاضرة الرصد العلمي الذي قام به بمشاركة فريق ابحاث من اكثر من دولة لظاهرة »الخسف« الذي يحدث في محيط البحر الميت, وعرض عددا كبيرا من الصور للمنطقة, بينت التغييرات التي حدثت خلال السنوات الماضية, الامر الذي يستدعي وفقا له العمل بحزم لمعالجة اسباب ما يحدث من »خسفات« وانهيارات تفاديا لحدوث كوارث قد تكون نتائجها مدمرة, فعام 2007 على سبيل المثال تم رصد وجود خمسين موقعا في محيط البحر الميت حدثت فيها انهيارات, و»خسفات« عميقة, واليوم في نفس المنطقة يوجد الفا حفرة تشكلت بسبب »انخساف« الارض, ما يعني ان الامور تتجه الى الأسوأ.
المحاضرة كانت جد قيمة, جاءت كناقوس خطر لابداء مزيد من الاهتمام بما يجري حول البحر الميت, ومع ان المحاضر خفف من لهجته في نهاية المحاضرة وهو يتحدث عن اخطار الزلازل والحركات الارضية, خاصة ما هو متعلق بالمنطقة العربية, ولكنه لم يتمكن من محو تأثير ما قاله عن القدرة التدميرية للزلازل الكبيرة, من عقول الحاضرين, فحسبه فإن زلزالا بقوة 7 »ريختر« تعادل قوته التدميرية الف قنبلة نووية, وبقوة 8 »ريختر« 30 الف قنبلة نووية, و 9 »ريختر« مليون قنبلة نووية, وهو ما لم تمتلكه دول العالم كافة, الامر الذي يجعل كل ما حققه الانسان من انجازات عبر عشرات آلاف السنين, وما استطاع ان يمتلكه من اسباب القوة التدميرية لا يضاهي نسبة متواضعة من قدرة الطبيعة على التدمير.
وكانت الكاتبة عضو اللجنة الثقافية في النادي »الارثوذكسي« سوزان غاوي قد قدمت د. ابو كركي في بداية المحاضرة قائلة انه استاذ »الجيو فيزياء« وعلم الزلازل في الجامعة الاردنية, ويحمل درجة الدكتوراة في الهندسة »الجيوفيزيائية« - علم الزلازل - من جامعة لويس باستور« في مدينة »ستراسبورغ« بفرنسا.
العرب اليوم