بقلم : هشام ابراهيم الاخرس
كنت صغيرآ عندما قررت و صديقي زيارة اللويبده ذات صيف , حيث قال صديقي إن كبار عمان يقطنون هنا ، كنت أناظر البيوت العتيقة و أسترق السمع لصديقي عندما قال جملته فوجدتني أسرح بمخيلتي وكأني أشاهد كبار عمان و بيوتهم و سياراتهم و حياتهم و حديقتهم ، فتكونت لدي صورة عن جبل اللويبده منذ عشرين عامآ و لم تتغير .
جبل اللويبدة حيث كان يسكن الأغنياء و حيث كنت تشاهد البنات الجميلات و شبابآ كانو يمشون و يحملون كتب و مجلات حيث كانت تباع في الدكاكين هناك و ثمة شاب و حبيبته يلتصقون على جدار لوزميلا و أخرون يمرحون في حديقة عليها حارس ستيني لطيف و شاب يافع يصعد درج البلد و بيده مسطرة تشير الى جامعته .
مشينا وقال صديقي هنا كانت دار كلوب باشا ، ذاك الذي طردناه على حين ثورة , و قال أن في اللويبدة عاش وزراء و زعماء و قاده وقال هناك بيت زيد الرفاعي وكان الحرس دائماً ما يعطوا أبائنا خبز الجيش وفي الافق هناك سكنت أميرة و هنا زار الحسين رفاقه و من هنا مرّ عرار وهنا تغنى في أفق عمان مؤنس الرزاز .
في اللويبده رائحة الياسمين و وبيوت قديمة توزّع الجوري على أسوارها ودارة للفنون أشتراها شومان للمبدعين هناك و بلكونة مطلة على السواد الذي ينبعث من فوضى عمان و وسط البلد و على رائحة عرق العمال المتعبون .
في اللويبده التقيت و سميح القاسم و هناك كان قد القى ما جاد به من ألق وغنى لفلسطين و قال : تقدموا تقدموا , وهناك شاهدت لأول مرة رسمات كان قد أبدعها ناجي العلي قبل أن يموت على ورق صحف أغتالته قبل الممات .
في اللويبده قلب عمان القديمة و مسكّن التجّار و السياسيون و المثقفون قبل أن يغادروها الى عبدون التي تعجّ بالمال و فوضى المولات و الكتب التي أستبدلوها باللاب توب و البلاك بيري و للوحات تشكيلية أستبدلوها بفن المكائن من صنع الصين .
لا زالت اللويبده ترسم على صباح عمان الألق و تنثر عبير ياسمينها المعتق في سمائها و تعج بالأحاسيس التي تولد هناك وتموت حيث ننوي مغادرتها إذ ما نوينا التوقف عن متعة الروح عندما تلتقي بالروحِ وسط غيابها .
للويبده مكانة وسط قلوب اهل عمان و زوّارها و سيّاحها منذ الرفاعي و سليمان النابلسي و حسني فريز الى يومنّا حيث ستبقى قلب عمان و قلب الوطن النابض عشقاً و حباً و ثقافة لا تموت .
هشام ابراهيم الاخرس