ذهبت يوما إليه أشكو قلة النوم والأرق .....
فقال لي :توقفي عن شرب القهوة .....فنظرت إليه وبسمة تشع من عيوني ولكنها صديقتي القديمة ....ضحك متسائلا صديقة؟؟!!!!
قلت أجل أليست القهوة مشروب الأحزان ومحطات الأسفار ولقاء الأصدقاء ...إنها صديقة الانتظار ...أشرب منها عدة فناجين على شرفة الانتظار.
قال: ولكن قلة النوم علاجه الابتعاد عن صديقتك القديمة .....اشربيها بلا كافين ...ضحكت وقلت له القهوة لا تقبل الغش هذا سراب قهوة .
قال متمسكا برائه الطبي ...علاج الأرق بيدك امتنعي عن القهوة ....
قلت له ...كيف ذاك وأنا احتسي صباحا فوق السبعة فناجين أثناء العمل \"لأنها من متطلبات العمل لان عملي يتطلب ذلك.
قال...مستغربا كيف ذاك أمعقول؟!
قلت كيف سنقضي ثماني ساعات عمل دون قهوة خصوصا أن عملنا الفعلي لا يتجاوز النصف ساعة.
كل هذا الحوار كان يدور بذهني وأنا متجهة لعمل فنجان قهوة صباحي....
قلت بيني وبين نفسي يا له من شاب جميل ولكن ما سر حزن عينيه؟؟؟؟
انتقلت في فكري بعيدا عن الحزن الذي يغلف عيني الدكتور الشاب
قلت....ليس أرقى من صديقتي في هذا الصباح الدافئ....
وجلست على شرفتي أتجاذب أطراف الحديث مع صديقتي القديمة
الراتب الحقير ...الضجيج اللعين المنطلق من صوت المذياع والتلفاز...هذا الاستغباء المتعمد لعقولنا من أبواق الأعلام...السيارات التي تكتظ بها الشوارع مقرات المرشحين لمجلس يحمل رقم 16 ويكبدنا أعباء عمر ..التشوه البصري الذي بات يبرز في يافطات مرعبه احتل التشويه شوارع مدينتي ....الباعة المتجولين الذي يملي جعيرهم الأجواء ويصدح من خلال مكبرات الصوت....كل هذا يدمر الأعصاب ببطء ويملئ ليلي ارق لا صديقتي القديمة.
الأكاذيب التي تتوالى كمصفوفة صماء لا حياة بها ....الزيف الذي ترتديه نساء الطبقة المخملية اللصوصية التي يتفاخر بها أصحاب البدل الباريسية....هذا هو ارق لا صديقتي القديمة....
حتى الضجر الذي تغذيه تفاهة الناس انعدام الفكر والمعرفة انعدام الوضوح انعدام الثقافة والنشاطات الحيوية في مدينتي كل هذا مدعاة للضجر والأرق.
انصاع مكره للصحو واجلس في عتمة الليل أصغي للصمت تفتنني موسيقاه.
أتذكر كم هو الألم طاغ ويترك وشما بحجم الذاكرة والفرح رشات صغيره من غبار رائحة زكيه لا يترك إلا صورة باهتة في الذاكرة.
إن الشلل الذي أصاب وطني أنهكني ولكنني ارفض الاستسلام لمطبات اليأس.
أنهيت أول فنجان وها أنا بطريقي لإعداد أخر وبسمة لا تفارقني على محاولات الدكتور لثني عن شرب القهوة....
كيف سأقتنع أن أغير نظرتي لكل ما يحيط بي من ضجيج وزيف وانحلال وعهر سياسي...
كم هو ساذج هذا الطبيب بنظرية العلاج الرؤيوي....
اتصلت به لاستفزه اعذرني ولكن نظريتك لم تجدي معي لا تزال صديقتي القديمة بجواري التمس دفئ بنها وتلتمس قبلاتي.....
يستحيل أن نعالج مشاكلنا بمجرد أن ننظر للسلبيات على أنها ايجابيات إن لم نستأصل المشكلة من جذورها وإذا لم نستطيع تغير واقع الحال جذريا.....
كيف سأطلب من فقير تعيس أن يغدو سعيدا وهو منقوع في فقره فهذا دجل و وهم ....
جلست برفقة صديقتي وعيناي ثابتتان علي نبتة في زاوية الشرفة تتدلى أغصانها الخضراء في دلال وفي قمتها تتفتح جورية حمراء...انتبهت آه إن الرؤية تعني الإدراك إحساسي بهذه النبتة مختلف تماما ولدت بيننا لغة خاصة ...انحناء الأغصان يذكرني بانحنائنا تجاه الزمن الظالم ننحني ونرزح تحت ظل المعاناة...ولكن النبتة رغم كل هذا الانحناء رغم كل هذا الذل تبدع زهرة متفائلة......
ارتعش قلبي وانتفضت جواري يا الهي النبتة أنا منحنية أمام زمن العهر ولكنني امتلك جمالي الخاص و زهور روحي تشبه جورية في ريعان اشراقتها....
آه برا فوا دكتور غلبتني وألان اعرف سر حزن عينيك هذا هو العلاج الرؤيوي أن ننظر بعمق إلى حقيقة أنفسنا وان نكتشف الكنز فيها لا أن نتركه لصدأ الأيام يتراكم فوقه ويقتله.....
أن لا ننكسر للظروف المحيطة مهما كانت قاسية....
دمعت عيناي تأثرا وأنا ارتشف أخر قطرة من قهوتي
ولكن أليست هذه صديقة الانتظار ؟؟؟؟؟
وكان لون الجورية يشع دفئا يغزو قلبي
لتكن نبتة صامتة صديقة أمل في معركة الحياة الصامتة المستمرة.
بقلم إيمان الرواشدة
ابنة الجنوب