الجدل الذي تعيشه الساحة الأردنية في أعقاب حادثي خوست والعدسية حالة صحيّة لا تستدعي الخوف والقلق، لكنّ وصفها بـ"الصحية" مشروط بأن نصل إلى توافق يشكّل نتيجة لحوارنا الوطني والإعلامي مختصرها: أن طاقة الغضب على العدوان والاحتلال الإسرائيلي وفشل وعجرفة السياسات الأميركية لا يجوز بأي حال من الأحوال أنْ تُصرّف عنفا وتطرفا ضد الأردن والأردنيين، بل على العكس من ذلك، فإن المسؤولية الوطنية تستدعي حماية بلدنا والمشاركة في تنميته والمشاركة في تشكيل وجه خياراتنا الداخلية والخارجية. والافتقار للحصانة الداخلية، لا سمح الله، لا يحقق أهدافنا ولا أهداف الفلسطينيين.
هذه توطئة للقول استطرادا إنّه بعدما سادتْ تحليلات في السنوات الأخيرة بانحسار "القاعدة" كتنظيم دولي، أعادت عمليات نضال مالك حسن، وحادث طائرة "ديترويت" وهجوم همام البلوي، وما يجري في اليمن والظهور العلني للتنظيم واتساع نفوذه ورغبة "الشباب المجاهدين" في الصومال بمساعدة "إخوانهم" في اليمن... أعادت هذه العمليات والمواقف من جديد أجواء الحادي عشر من سبتمبر.
لكنّ بقاء الأجواء التي تٌغذي الإرهاب والتطرف على حالها ـ هنا نفسّر ولا نبرر ـ (مثل الملف الفلسطيني وقصف غزة البربري وحصارها الجائر، وسقوط الكثير من المدنيين في باكستان وأفغانستان جراء القصف الأميركي... وفشل مشاريع التنمية المحلية في تقليص أعداد الفقراء والعاطلين عن العمل... وبقاء شعار أوباما بالانفتاح والمصالحة مع العالم الإسلامي أقوالا أكثر منها أعمالاً وبرامج على الأرض... وضعف التيار الإسلامي الإصلاحي المعتدل المؤمن بالدولة والرافض للعنف في توفير بيئة حاضنة للشباب المتدين وخلق البرامج التي تجعله رافداً لخدمة مجتمعه وتنميته وبالتالي ملء الفراغ الذي تتغلغل منه الجماعات الإرهابية...) هذه الأجواء وغيرها التي تُجذّر مشاعر الإحباط والنقمة على الغرب وإسرائيل والحكومات العربية السلطوية... هي ما تفسّر مواقف الـ "مع" و"الضد" التي سادت في الأيام القليلة الماضية الساحة الأردنية.
تلك الإحداثيات في الأردن أو في اليمن أو الصومال... تستدعي مواجهة أكثر فعالية ضد أفكار "القاعدة" والحل الأمني وحده لا يحل المشكلة بل لا بد من مقاربات سياسية واقتصادية وفكرية وحوارية تنطلق من المبادرة الرسمية الجادة في الإصلاحات السياسية والاقتصادية عبر توسيع المشاركة السياسية والتحول الديمقراطي وصون الحريات العامة والخاصة ومحاربة الفساد المالي والسياسي والإداري وعدالة توزيع الثروة الوطنية، خاصة وأن تجارب مكافحة الإرهاب (العراق مثلاً) أثبتت أنّ نزع الشرعية الشعبية عن أعمال الإرهابيين والمتعصبين هو الحلقة الأهم في دحر تلك التنظيمات وهزيمة مشروعها الظلامي، وهذا أيضاً يعيد الاعتبار لمقولة سُكب فيها حبر غزير تؤكد أن الفشل أولا في قيام دول ومجتمعات حديثة في منطقتنا وما ينطوي على ذلك من فساد سياسي ومالي وسوء في توزيع الثروة الوطنية والفشل ثانيا في حل عادل للقضية الفلسطينية يوقف إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل وينهي معاناة الشعب الفلسطيني ويحقق أحلامه بالاستقلال والحرية والعيش الكريم سيبقيان موردين متجددين لأهوال ومصائب تداهمنا!. ومن دون علاج هذين الفشلين لن "نبعد الأكسجين عن نار التطرف"، والاقتباس هنا من الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري.
mohammed.barhoma@alghad.jo
محمد برهومة