ليس غريباً الدعوة لاستفتاء و ليس مفاجئ أن تكون النتيجة قرار إعلان الدولة، شخصياً أؤيد أن يكون للأكراد دولة ، فهذا حق إنساني لمجموعة مضطهدة عانت الكثير ، مع الاعتراض على الأسلوب الذي اتخذ خلال سنوات الكفاح لإعلان الدولة إلا أن إعلان الدولة وإنشائها حق لا يمكن إنكاره.
السلطة في اربيل رفضت قطعاً أن يكون للهيئات الفارسية مقار في كردستان و اعتبرته نشاطاً معادياً حتى وان جاء بصيغة جمعيات خيرية و مراكز ثقافية، ومع هذا حافظة على علاقات عميقة و قوية مع قوى إقليمية أخرى في المنطقة و أيضا علاقات دولية، مكنتها من اعتراف غير رسمي بقيامها كدولة، وكون النفط سلعة التعارف في بعض الأحيان فهذا مكنها أيضاً من دخول دوائر مهمة و مؤثرة على صناعة القرار الدولي.
السيرة الذاتية بكل زخمها لرئيس إقليم كردستان مسعود برزاني تضعنا أمام قناعة مكتملة لضرورة إعلان الدولة ، هي عقيدة إيمان مكتمل بضرورة الإعلان وعناصره اكتملت مع سنوات النضال الطويلة في ثورة لم تهدأ منذ عقود.
ومع أن الحزب الديمقراطي الكردستاني حصل على الدعم في البدايات من إيران الشاه و من بعدها من إيران الخميني إلا أن الحزب كان برغماتي في علاقاته والتي شكلت أمريكا فيها نقطة تحول مركزية، فوالد مسعود برزاني من الاتحاد السوفيتي إلى إيران ومنها لأمريكا التي توفي فيها.
علاقات الأكراد معقدة ومتداخلة إلا السمة العامة لها البرغماتية و الهدف منها تحقيق الهدف بإعلان دولتهم .
النضال الكردي نضال يستحق الدراسة و التعمق في فهمة و هو نضال متواصل أسس له قاعدة تأيد شعبي عربياً و دولياً و أن كان اليسار هو من أيد و دعم إلا أن الأكراد استطاعوا أن ينشؤا علاقات مع دول و برلمانات وأحزاب سياسية مكنتهم من نشر و إيصال قضيتهم.
إقليم كردستان جاء نتيجة اتفاق الحكم الذاتي مع الحكومة العراقية عام 1970 وتطور هذا الحكم الذاتي بمرور السنوات واعتماداً على الأزمات التي كان أبطالها في أحد الفصول "منظمة مجاهدي خلق" التي استخدمت من قبل العراق لسحق قوات البشمركة ، إلا عناصر منظمة مجاهدي خلق ارتكبوا الكثير من المجازر بحق الأكراد من بعد عام 1991.
الأكراد كما هم الأحوازيين كانوا ضحايا اتفاقية الجزائر عام 1975 و التي نصت على أن الحدود بين إيران و العراق تكون نقطة القعر في شط العرب، مما جعل حول الأحواز من دولة محتلة إلى جزء من الأراضي الإيرانية وقسم أراضي الدولة الكردية بين العراق و إيران وتشاركت تركيا في المحاصصة ، مع أن الاتفاقية لم يكتب لها الحياة ، واعترفت إيران أنها لم تلتزم بها و ألغاها العراق بعد وصول "الخميني " للحكم.
يعاني الإقليم حالياً من تراجع اقتصادي سببه انخفاض أسعار البترول و أصابت الإقليم طفرة جراء ارتفاع الأسعار عالمياً و تخلى العديد من الأكراد عن مهنة الزراعة مما سبب أزمة حاجة لكردستان التي تستورد 95% من حاجتها الزراعية و الصناعية، وتأمل حكومة كردستان أن يتيح لها إعلان الدولة و الاستقلال من الاستحواذ على كامل الإنتاج النفطي بدل محاصصته مع حكومة بغداد.
تركيا و إيران هما المشغولتين أكثر من غيرهما دبلوماسياً لعرقلة إعلان الدولة، كون إعلان الدولة الكردية يعني تحفيز الأكراد في تركيا و في إيران للالتحاق بمؤسسة الدولة التي يسجل لمسعود برزاني تحقيقها، كما أن الدولة الكردية ستكون قاعدة انطلاق للثوار الأكراد في عموم المنطقة.
ليس سراً القول أن الأكراد أصبحوا يشكلون خياراً دولياً بديلاً لفكرة "داعش" التي بدأت تفقد زخمها بعد أن تم إعادة إنتاجها أكثر من مرة من "القاعدة" إلى "داعش" و مروراً بتنظيمات إقليمية محصورة الانتشار متعصبة تنفذ أجندات الغير بتجنيد الشباب بخطاب عاطفي مستفز ،فصار المجموع العام يأساً يلتحق بمعسكراتهم.
الفكرة صارت نتيجة الاستنساخ المكرر لا تؤدي الغرض الذي من أجلها تنشئ وخاصة أن الفكر المتبني صار عابر للحدود و ترك أثره عند خلايا شبابية على شكل "ذئاب" منفردة أو مجموعات محدودة العدد، وقيام مجموعة باسم القومية وذات تأثير محدود في دائرة جغرافية تحكمها العقلية الجوسياسية.
بالتعبئة القومية عند الأكراد ستعلن الدولة وستكون نتيجة الاستفتاء حاسم بضرورة الإعلان.
الاستفتاء سيكون بداية الاضطراب و نقطة تحول في تاريخ الأكراد،سيكون إعلان دولة و نشوء الحرب معا.
إلا أن الخيار بإعلان الدولة واجب في هذه الظروف التي ستمكن المنطقة من عمومها من الخروج من عباءة التستر إلى تحريك القواعد المفروضة على الجميع.
إعلان الدولة بين القرار و نتائج ما سيكون ، ستكون الحجر المقذوف في بحيرة الركود والتي لا ينتج منها غير سفك الدماء و التشريد ، دول كبرى تحتاج بديلاً "لداعش" وأخواتها ، ونحتاج إلى تمزيق سطح الريح ويحتاج الأكراد لبيان و مؤتمر إعلان الدولة.