قد يُصاب البعض بالذُّعرِ عند قراءة العنوان, ويتبادر لدى الأذهان بأنَّهُ نسيجُ خيال, ولكنَّهُ أعزائي ليس نسيج خيال, بل حقيقةٌ حيةٌ بلا مُحال, تعيشُ في هذا الزمان, وتَقطُن في إحدى دور التربية للأحداث الجانحين, ارتأيت إفرادها بمقالة, من قبيل (دراسة حالة) Case study, ولأنها تحتاج لمقالات وليس مقالة, لِمَا تحمل في طيَّاتِها من رسائلٍ للمؤسساتِ الرَّسميَّةِ وغير الرَّسميَّة, ولمْ أشَـأ أن أُبقي هذه (الحالة) مُنغمسة مع نسبة هتك العرض للأحداث الجانحين, والتي شكَّـلت 18% , كنتيجة للدراسة التي أجرتها الكاتبة لإتمام الحصول على شهادة الدكتوراة عام 2009, ولمْ أشَأ أن أُبقِها مأسورة بحالة رقم (واحد), أو بكلمة مطويَّـة ببعض الصفحات, لأنَّها لا شبيه لها مع باقي الحالات, بل هي من عَجائبِ هذا الزمن, صَنَعتهُ يــدُ إنسان, وأوثقتـهُ قوانينُ الْبشَر, بلا شفقةٍ أو رُحمان !!, لا يسعك إلا أن تقف أمامها مكتوف اليدين, وتُدلي بإيماءات الْعَجَب الْعُجاب, لما آل إليه هذا الزمان!! سأروي لكم قصة هذا الإنسان, الذي جلستُ معهُ ساعاتٍ وأيـَّام, تحدَّثَ معي بكلِّ اطمئنان, عن جريمتهِ التي ليست في الحُسبان!!؟ وأذكر بأن هذه الحالة الوحيدة من بين 170 حالة ويزيد, تم مقابلتهم غذتني بقيمة "الماء " في حياتنا, لأنني شربتُ من الماء حتى ارتويت من رأسي حتى أخمص قدمي!!
على أيـَّةِ حال,,,,,, طفل لم يبلغ الخامسة عشر من العمر, ينتمي لعائلة ميسورة الحال ماديَّا, والمستوى التعليمي للوالدين لم يتجاوز الثانوية العامة, وترتيب الطفل بالأسرة الأصغر بين إخوته, وغير مُتَسرِّب من المدرسة, مستواه الأكاديمي جيِّد, ومن الناحية الجسديَّة وسيم, ويتمتع بتقاسيم جميلة, أي مفهوم الذات الجسمي لديه جيد, حسب ما أوردت الدراسة إجابة لهذا السؤال.
قام هذا الطفل بهتك العرض لطفل يصغره بست سنوات, من ثم شنقه, وأخيرا قام بتقطيعه ووضعه بإحدى الأكياس, ليُخفي جريمته.
وعند تحاوري معه عن سبب ارتكاب جريمته, أجاب كما بدا على لسانه,,,, الرغبة بتفريغ حاجتي الجنسيَّة, ولأنني أحببتهُ مُنذ زمن, وامتلك إعجابي بجماله, وارتأيتُ أن استأثِر به وحدي, وأصبحت أفكر به مرارا وتكرارا, فلم اعتد في حياتي على رفض أي طلب لي, فكل ما احتاجه يُلبَّى لي فورا, لا أذكر يوما بأنَّهُ قيل لي (لا ), فهذا الطفل أراد أن يقول لي ( لا ), ولو لم يقاومني لَمَا حصل ما حصل, لِمَ يقاومني؟! لِمَ لم يتركني أحصل على ما أريد, انا لا أحد يجرؤ أن يقول لي (لا ), لذا لم أتمالك نفسي, وعزمتُ على ربط عنقهُ لعدم رضوخه لرغبتي, ومحاولته المقاومة للفرار, سألتُ الطفل هل شعرت بالألم بعد شنقه ؟ أجاب (يعني بوقتها بس بعدين عادي): ألــم تكتفي بالشنق؟ أجاب :تخوَّفتُ أن يُخبر عني فشنقته, وبعد شنقه أردتُ إخفاء الجريمة, فهرعتُ بتقطيعه لقطعٍ صغيره يَسْهُل إخفاؤها, ليتم نقل الجثة في الصباح الباكر. هل شعرت بتأنيب الضمير بعد اقتراف الجريمة ؟ أجاب حرفيا "لا عادي يا مس لحظة الغضب الواحد ما بعرف شو بسوي, بس مقاومته إلي خلت دمِّي يفور, وهو من تسبَّب لنفسه بذلك, ( وقدره أن يموت على ايدي , قلت كيف؟! أجاب : مش الله كاتب اله يموت على ايدي طيب انا حققت القدر اللي كتبه ربنا للولد ,انا مالي دخل ), ألـم تشْعُر بالخوف أثناء تقطيع الجثة؟ , أجاب عادي زي ما بقطع الدجاجة, قمت بفردهِ على الأرض وبدأت بالتقطيع, أول ما بدأت بالرأس, ثم اليدين, ثم الأرجل, ثم باقي الجسد لقطعٍ صغيرة, حتى يتم احتوائها بالكيس بسهولة, وليتسنَّى لي نقلها لمكانٍ آخر قبل اكتشاف الجريمة, من ثم قمت بتعطير الجو بالبخور لتختفي رائحة الجثة . ما هي البرامج التلفزيونية المفضلة لديك؟ أجاب أفلام كراتيه ومصارعة وأفلام رعب, الأم ما دورها؟! لا تجرؤ أن تـُغيِّر محطة التلفاز, وأنا موجود, هل تصلي , تصوم , تقرأ القرآن ؟! أجاب :أبدا يا مس ولا بعمري سجدت سجدة ولا أصوم. وأكثر أوقاتي أقضيها مع أصحابي خارج البيت,,,,,,,,,
لقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ وَلِكُلِّ ذِي لُبّ, من خلال هذه الحالة التي نحن بصددها, العديد من الحلقات المفقودة في سلسلة هذه الحالة,
لذا اسمحوا لي يا إخوة أن أتساءل معكم حول الحلقات المفقودة في هذا العقد:
- أولا: لاحظنا بأنَّ الطفل نشأ في كنف أسلوب تربوي للوالدين ألا وهو (التدليل الزائد), وعلى النقيض منه (الإحباط الزائد), وأكد بذلك العديد من علماء النفس أنهما أسلوبان تربويان يؤديان إلى إنتاج شخصية مضطربة, أو ما يُدعى بالسايكوباثية Psychopathy, أين موقعنا نحن من أساليب التنشئة الوالدية هل كأحد السابق, أم الاعتدال, أم التسلُّط أم الإهمال أم....الخ ؟؟!!
ثانيا: أين نحن من تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الأبناء سواء في المدرسة أو الأسرة, كـمفهوم القضاء والقدر, ألـم تَروا معي بأن المفاهيم المغلوطة, زوَّدت الطفل بـ ( سيكولوجية التبرير) كإحدى الحيل اللاشعوريَّـة, التي أكد عليها العديد من علماء النفس, والتي تقوم بتزويده بتبريرات منطقية عقلانية واقعيَّة تبرِّر سلوكاته المنحرفة من وجهة نظره ؟! وبالتالي تُقلـِّل من تأنيب الضمير ؟؟! وتزيد من انغماسه في السلوكات المنحرفة, كما أكد بذلك العديد من علماء الجريمة أمثال سايكس وماتزا عام 1957. و أمر آخر لماذا لا نتعرَّف على المخزون المعرفي لدى الأطفال عن العديد من المفاهيم, أين لغة الحوار في الأسرة. أم قضت عليها وسائل الإعلام كالتلفاز والحواسيب, وأصبحنا نتحدث بلغة الصُّمَّ, رُبَّمــــــــــا ؟!.
ثالثا: أين نحن من الإشراف والمتابعة لما يشاهدهُ الطفل من برامج تلفزيونيَّة تحوي على مشاهد عنف, كفيلة بتزويدهِ (بـ ثقافة العُـنف ) والتي أكد عليها العديد من علماء الجريمة. وأين نحن من طرق تعلُّم الأبناء للأنماط السلوكية, كالتقليد والمحاكاة والنَّمذجة وغيرها, لما يشاهده الأطفال عبر التلفاز, أو من خلال نماذج حية مباشرة, كما أكد عليه العديد من علماء النفس أمثال ميللر عام 1941. وبندورا عام 1977. حيثُ تستقر هذه الأنماط السلوكيَّة المشاهدة في البناء المعرفي, بما يسمى (بالتعلم الكامن) ليتم تنفيذها بالوقت المناسب.
رابعا: أين نحن من صحبة رفقاء السوء للأطفال, والذين يُعدّون بمثابة نماذج يتعلم من خلالهم الطفل العديد من السلوكات, سعيا لتحقيق الرفعة والمكانة بين أقرانه , ولأن السلوك الإجرامي يتم تعلمهُ من خلال التفاعل والترابط والاتصال القريب مع الأقران, كما أكد عليه العديد من علماء الجريمة أمثال ساذرلاند عام 1987 وساندرسون عام 1995, وسايقل عام 2003, أين الإشراف والرقابة على ذلك.
خامسا :أين نحن من مخزون الخبرات الذي نسعى لتزويدهِ للأطفال , في أهم مرحلة من مراحل النمو, ألا وهي الخمس سنوات الأولى من عمر الطفل, والتي تُعد مرحلة حرجة في تشكيل الشخصية, هل
سنقوم بتزويد الطفل بخبرات بيئيَّة من المشاجرات الأسرية بين الوالدين , قد تلجأ للكبت في الجزء اللاشعوري من الشخصية, من ثم لجوء البعض حين يشتد عودهم, إلى تفريغها بطرق تؤذيهم أو تؤذي الآخرين , لما تمثلهُ هذه المكبوتات من قوة دافعة لاشعورية للسلوكات, ألم نفكر للحظات بأن مثل هذه الخبرات السلبيَّة ستدُبَّ بهم أفكار مسمومة, كَمَا يَدِبّ السُّمّ فِي اللَّدِيغ !!؟
سادسا :أين الشفقة والرحمة في قلوب البشر, وهل بات زهق روح إنسان كزهق أي كائن آخر كعصفور مثلا أم دجاجة كما أبدى الطفل؟؟! هل باتت روح الإنسان زهيدة لهذا الحد, ألا نحتاج إلى تربية أبنائنا على الشفقة والعطف والرحمة, وما قسوة القلب هذه!!, وأذكركم بالحديث النبوي الشريف " أَرْبَع مِنْ الشَّقَاء جُمُود الْعَيْن, وَقَسَاوَة الْقَلْب, وَطُول الْأَمَل, وَالْحِرْص عَلَى الدُّنْيَا " أتساءل أخيرا أين الجانب الانفعالي المراد تنميته في شخصية الأبناء؟! وتدريب الأطفال على ضبط وإدارة مشاعرهم.
سابعا: التمثيل بالجثة, ما الرسالة التي ندركها من خلالها, ألا ترون معي أن هناك شخصية سادية تتلذذ وتستمتع بتعذيب الآخرين,ما الخبرات التي مرَّ بها الطفل لتُصنع منه هذه الشخصية؟؟!! إن أوجدت بعض الخبرات السلبيَّة لدى الأبناء ميول عدوانية لديه كحب التقطيع, لماذا لم نسعى لإنقاذه وإعادة توجيه مثل هذه الميول, ومحاولة استخدام( سيكولوجية التسامي) التي أكد عليه علماء النفس , كتحويل الميول العدوانية لسلوكات مقبولة اجتماعيا.
ثامنا : ألا ترون معي بأننا بحاجة إلى جهاد مع الأبناء في ظل الظروف التي نعيشها والعولمة وما خلَّفتها لنا, و(مؤسسات الإعلام غير المسئول ) , والتي تهدم أكثر مما تبني, وأذكركم بقول الْحَسَن الْبَصْرِيّ : إِنَّ الرَّجُل لَيُجَاهِد وَمَا ضَرَبَ يَوْمًا مِنْ الدَّهْر بِسَيْفٍ .
تاسعا : ما هي الإجابة التي سنجيب بها ربُّ العزة يوم القيامة عن كل ما نقدمه من خبرات للأمانة التي بين أيدينا (الأبناء ), قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا مُعَاذ إِنَّ الْمُؤْمِن يُسْأَل يَوْم الْقِيَامَة عَنْ جَمِيع سَعْيه حَتَّى عَنْ كَحْل عَيْنَيْهِ وَعَنْ فُتَات الطِّينَة بِأُصْبُعَيْهِ فَلَا أَلْفَيَنَّكَ تَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَأَحَد أَسْعَد بِمَا آتَاك اللَّه مِنْك ". أخيرا أسألكم بالله يا إخوة أليس لنا دور كبير بما نقدمهُ للأبناء من خبرات وأساليب تربوية سلبية, بصناعة مجرمي المستقبل, وجناة على العديد من الضحايا, كالطفل الذي بات ضحية هذه الجريمة, ألا يستحق منا أن نستذكر براءة طفولته التي راحت ضحيَّة ولو "بمقالة" اتسائل في النهاية من هو الجاني على الطفل ((الأسرة )) أم ((المدرسة)) أم (المجتمع ككل ) أم (الطفل الحدث؟! وهل يوجد هناك عقد مفقودة أيضا, لم تذكرها تلميذتكم, أتـرك لـكـــــــم الإجابة. واقبلوا مني فائق الاحترام والتقدير.
د. نجود المجالي
ملاحظة:
اعتذر للإطالة, وهناك العديد من التفاصيل الدقيقة للحالة من حيث كيف ومتى وأين, والتي قد تُثير فضولكم, لم أشأ توضيحها عن قصد, لأننا نهدف للتثقيف لا للتشهير, واعتذر لمن لا يروق له ذكر أسماء العلماء بجانب المفاهيم والمصطلحات العلمية, فهي من باب الأمانة العلمية, ونسب المفاهيم لأصحابها الذين لهم منا كل الاحترام والتقدير, ولا يحق لي ككاتبه أن أتغنى بهذه المفاهيم وكأنها من صنيع عقلي وهي ليست كذلك.(المعذرة منكم )..