زاد الاردن الاخباري -
أصبح لدينا مجالس لامركزية لأول مرة في تاريخ الأردن، وهي بلا شك تجربة ستساهم في تطوير الحياة العامة عندما يكون لكل محافظة مجلس نيابي مصغر خاص بها يدرس احتياجاتها ويخطط لها حسب ما يراه مناسبا وضروريا وملحا بالنسبة للمجتمع المحلي.
فليس هناك أقدر على تلمس حاجات المنطقة أكثر من أبنائها، الذين سيناقشون تلك الاحتياجات بعمق ويضعون لها الخطط العملية القابلة للتنفيذ سريعا دون تعقيدات التوقف طويلا أمام مركزية الحكومة التي قد تنشغل عن احتياجات المجتمعات المحلية في بعض المناطق بقضايا أكثر إلحاحا من وجهة نظرها.
غير أن، إنجاز مجالس اللامركزية سيضعنا أمام استحقاقات مهمة خلال المرحلة المقبلة، في سبيل استكمال حلقات الاصلاح من هذا النوع باتجاه النظر سريعا إلى قانون الانتخابات النيابية.
فمجالس اللامركزية، من المفترض أنها مجالس خدمية يتكامل دورها مع الدور والمهام المناطة بالمجالس البلدية، ما يعني أنه من غير اللائق أو المنطقي أن يظل أعضاء مجلس النواب منشغلين بالجانب الخدماتي على حساب الجانب السياسي من تشريع ورقابة.
ما يعني أن الضرورة باتت حتمية بعد اليوم، لإجراء تعديلات سريعة على قانون الانتخاب يضمن أولا تقليل عدد أعضاء مجلس النواب إلى الثمانين نائبا، وعدد أعضاء مجلس الأعيان بطبيعة الحال إلى النصف.
وتضمن ثانيا الوصول إلى قبة البرلمان نواب سياسيون وحزبيون قادرون على تشكيل الفرق في اداء مجالس النواب من حيث تفرغهم لأداء دورهم الحقيقي في التشريع والرقابة ودون أن يلتفتوا أو ينشغلوا بالجانب الخدماتي على حساب دورهم الحقيقي.
إن الإبقاء على قانون القوائم الانتخابية على النحو الذي هي عليه لن يكون إضافة للعمل البرلماني، عندما تكون القوائم مفتوحة للجميع لتشكيلها وخوض الانتخابات وفقها، ما ساهم في التفاف لدى بعضها خلال المجلسين السابقين اللذين أفرزت بعضها نواب لا يختلفون عن نواب الدوائر المحلية عندما كان رأس القائمة هو المستفيد من مجمع الأصوات الذي يجنيه بقية أعضاء القائمة لصالحه.
والتعديلات التي يجب أن يتضمنها قانون الانتخاب المقبل إن كان هناك ثمة قرار لتعديله، يجب أن تكون باتجاه توسيع الدائرة الانتخابية إلى مساحات أكبر، تمكن الناخب من التمييز بين البرامج الانتخابية واختيار ممثلين عنه وفقا لها، وتمكن المترشح من طرح نفسه على أسس سياسية برامجية لا على أسس عائلية أو عشائرية تنطلق أساسا من تقديم الخدمات والواسطات والوعود الشبيهة بذلك لتحقيق الفوز بالمقعد النيابي.
إن التفكير في الترشح لمجلس النواب يجب أن يتغير عما كان في السابق، وهذا لا يكون إلا باتخاذ المجالس المحلية دورها الحقيقي في التخطيط التنموي لمجتمعاتها، وهذا يحتاج إلى جهد كبير ومضاعف خلال المرحلة المقبلة.
فثمة الكثير من المترشحين للمجالس اللامركزية مازال يختلط عليهم دورهم ومهامهم عندما يشيرون إلى بعض قضايا هي في الحقيقة في صلب عمل المجالس البلدية.
بالتالي، فإن على الحكومة أن تجهد خلال المرحلة المقبلة في فك الاشتباك الحاصل لدى الكثيرين بتعريفه دوره وصلاحياته وآلية تعامله مع المجالس الأخرى سواء أكانت بلدية أو نيابية.
وأيضا، فإن على الجهات الحكومية المختلفة أن تساهم في تعزيز فكرة اللامركزية باتجاه انجاحها وهذا يحتاج أيضا إلى ترك اعضاء المجالس اللامركزية للعمل وفقا لما لحاجيات مجتمعاتهم المحلية، عندها سيشعرون بأهميتهم وبقدرتهم على العمل والانجاز وهم ما من شأنه أن يقنع المواطنين باللامركزية وبالنائب الذي يمثلهم في مجالسها.
إن عدم ترك نواب اللامركزية للعمل بحرية، سيكون أثره مباشر على مجلس النواب الذي سيكون نوابه تحت الضغط كما السابق لملاحقة الوزراء من أجل تنفيذ خدمات لمجتمعاتهم المحلية وهو ما سيصرفهم عن دورهم السياسي والرقابي والتشريعي.
وعندها ستكون مجالس اللامركزية ليست أكثر من «ديكور» إن لم نقل معطل لتطوير الحياة العامة والأداء العام.
اللامركزية بعد اليوم، أصبحت امرا واقعا وهي خطوة في الطريق الصحيح للإصلاح والتطوير، غير أن هذا الإصلاح والتطوير لا يكون منتجا وفاعلا إن لم ينعكس وبشكل مباشر على مجلس النواب والنواب.
بالتالي، فإن القول باجراء تعديل على قانون الانتخاب ليس ترفا من أجل إجراء التعديلات فقط، بل إن الواقع الذي سنصبح عليه يوم غد هو ما يفرض ذلك.
نحن اليوم أمام مرحلة مهمة، ما كنا لنصل إليها لولا إرادة الإصلاح الحقيقية لدى جلالة الملك ولولا نعمة الأمن والاستقرار التي نحظى بها رغم ما يحيط بنا من توتر وقتل ورصاص، وهذه الإرادة وتلك النعمة هي من مكنتنا من أن إجراء ثلاث انتخابات في غضون أقل من عام، وهذا انجاز عظيم يجب استغلاله على الشكل الأمثل بحيث يكون المنتج متوقعا ومتوافقا مع ما تم التخطيط إليه.