زاد الاردن الاخباري -
قلل المخرج السوري نجدة أنزور من أهمية التهديدات بالقتل التي تلقاها في أعقاب مسلسله المثير للجدل "ما ملكت أيمانكم،" والذي عرض خلال شهر رمضان الماضي، قائلا إنه لم يشعر بالقلق إطلاقا لأنه "مهيأ" لذلك، بسبب مناقشته لمسألة التطرف الديني.
وأضاف أنزور في مقابلة مع CNN بالعربية، أن التحريض من قبل رجال الدين هو ما قد يؤدي إلى تهديدات بالقتل أو فتاوى بإهدار الدم وما شابه ذلك، مشيرا إلى أن مسلسل "ما ملكت أيمانكم،" هو جزء من سلسلة ضمن "مشروع للحديث عن ظاهرة التطرف الديني."
وتاليا نص المقابلة مع المخرج السوري:
ما رأيك بالجدل الديني والاجتماعي المثار حتى الآن حول مسلسل "ما ملكت أيمانكم"؟
نتمنى دائماً أن يثير أي عمل درامي عربي نقدمه نوعاً من الجدل، والحوار، لكن للأسف تمر عشرات المسلسلات العربية التي تقدم على المحطات سنوياً مرور الكرام، دون أن تترك أي أثر، ولكن الذي ميّز "ما ملكت أيمانكم" استمرار الجدل الذي أثاره المسلسل بعد انتهاء عرضه الأول، وما ساعد على ذلك العروض المتعاقبة له بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، وأهم ما في الموضوع أنه فتح نوعاً من الحوار العالي المستوى، لا يقف فقط عند حدود التأييد والمعارضة للمسلسل، بل يناقش أفكاره وطروحاته، والتي مازالت مثار بحث، وأعتقد أن هذا الأمر إيجابي للغاية.
تحدثت في الصحافة عن إهدار دمكم بسبب هذا المسلسل، هل تلقيت تهديدات بالقتل؟
البيان الذي صدر بشأن المسلسل عن أحد رجال الدين الذين يتمتعون بمكانة مرموقة ومحترمة في سوريا ينطوي على هذا المعنى (إهدار الدم)، لم أتعرض لتهديدات ملموسة بالقتل، لكنني أريد التذكير أنه حينما تعرض الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ لاعتداء من أحد المتطرفين، لم يكن المعتدي مطلعاً على أي من رواياته، ولكنه أقدم على فعلته تلك بدافع تحريض مماثل من أحد رجالات الدين.
هل شعرت بالقلق من تلك التهديدات؟
لم أشعر بالقلق مطلقاً، لأن العنف مرفوض في بلادنا شكلاً ومضموناً، كما أننا مهيأين نفسياً لمثل هذه الأمور، منذ اللحظة الأولى التي قررنا فيها الخوض في هذا الموضوع ومناقشته، أي ظاهرة الأصولية والتطرف الديني وانعكاساتها المختلفة على المجتمع، كما أن هذا المسلسل ليس الوحيد الذي تطرقنا من خلاله لهذه الظاهرة، بل هو جزء من مشروع متكامل بدأ بـ(الحور العين)-2005، مروراً بـ(المارقون)-2006، وصولاً إلى (ما ملكت أيمانكم)-2010، ولن ينتهي هذا المشروع هنا، بل هو مستمر عبر مسلسل (جنود الله) الذي نحضر له للموسم المقبل.
لكن لماذا لم تحظ المسلسلات السابقة التي ناقشت هذه الظاهرة كمسلسل "الحور العين،" بهذا النصيب من الجدل الذي أثاره "ما ملكت أيمانكم؟"
السبب جوهري، وهو أن "الحور العين" تناول حادثة اعتداء إرهابي على مجمع سكني في المملكة العربية السعودية، لأسباب تتعلق بظاهرة التطرف الديني، ونحن أخذنا القصة الحقيقية وبنينا عليها عمل درامي يتحدث عن مجتمع مصغّر ضمن مجتمع عربي أكبر، والمكان في هذا المسلسل فرض شروطه وطبيعته، بينما تطرقنا في مسلسل "ما ملكت أيمانكم" إلى موضوع مختلف تماماً، وتحدثنا عن مجتمع أكبر بكل فئاته، وطوائفه، ونسيجه الاجتماعي.
هناك انتقادات وجهت للمسلسل ذاته باعتباره سلط الضوء على الفئات الأكثر تطرفاً في المجتمع السوري، ولم يكن متوازناً، ما تعليقك على ذلك؟
إذا اتفقنا على أن وظيفة الدراما هي تسليط الضوء على الجوانب السلبية أكثر من الإيجابية، يمكن أن نصل إلى نتيجة في هذا النقاش، وإلا وقعنا في فخ التعميم، وهذا ما لم نقصده مطلقاً، وفي نظرةٍ موضوعية للمسلسل نجد أنه تناول مجموعة من القصص التي تصلح لأن تكون مادة لثلاث أو أربع مسلسلات، وليس مسلسل واحد، حيث روينا قصص ثلاث فتيات تقف خلفهن تسع فتيات أخريات، بالإضافة إلى شرائح ذكورية عديدة.
ما أردنا قوله إن الجنس هو الذي يحكم كل هذه العلاقات المعقدة، وهنا لابد من العودة إلى أصولنا الدينية، ولكن من باب مناقشة الأمور المسكوت عنها في مجتمعنا، وأهمها (الجنس)، تلك الشرائح التي تناولها المسلسل مثلت الطبقات الأساسية في المجتمع، وأهمها الطبقة الوسطى التي بدأت بالتآكل لصالح الطبقتين الأعلى والأدنى، وأرى أن أهم ما تم تسليط الضوء عليه في مسلسل «ما ملكت أيمانكك؛ ظاهرة الانفلات وهي الأخطر من التطرف، أو الأصولية، خاصةً أنها تنطلق من مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة،" بغض النظر عن القيم، لذلك ركزنا على تلك الظاهرة وربطناها بالتطرف والفساد.
يقول البعض أن نجدة أنزور يلجأ إلى المبالغة وإثارة الجدل في الطروحات التي يقدمها، لتسويق مسلسلاته، فما رأيك؟
أنا أؤمن أن العمل الذي لا يثير الجدل، لا يمكن أن يترك أي أثر في ذهن المشاهد، ولكن ليس الجدل من أجل الجدل، وإنما لإحداث التغيير، لذلك من المهم التركيز على الأعمال الإشكالية، بدلاً من تلك الرتيبة والسطحية، والتي لا تقدم أي شيء حقيقي للمتلقي، فالفن هو وسيلة للتحريض، وحينما أسلط الضوء على واقعك، ومعاناتك، أدفعك للتفكير، وبالتالي التغيير، وهذا هو القصد الحقيقي من إثارة الجدل.
أنت تعترض على مصطلح "تحويل الرواية إلى عمل تلفزيوني، رغم أنك أخرجت "مسلسل "ذاكرة الجسد،" عن الرواية الشهيرة التي تحمل نفس الاسم للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، فما هو المصطلح الأصح برأيكم؟
الأصح أن نقول إعادة كتابة الرواية للتلفزيون، أو عمل تلفزيوني مقتبس عن رواية، لأنه لا يمكن تقديم أي رواية تلفزيونياً دون التدخل من قبل كاتب سيناريو متخصص، ينطلق من أحداثها ويضيف بعض الخطوط لكي نتمكن من تقديمها في ثلاثين حلقة، وهذا ما حدث معنا في "ذاكرة الجسد،" حينما أوكلنا مهمة كتابة السيناريو للكاتبة المتخصصة في هذا المجال ريم حنّا، فأخذت الخطوط الرئيسية من الرواية الأصلية، وقرأت ما بين السطور لتبني عليها عمل درامي تلفزيوني مؤلف من 30 حلقة.
وهل واجهت اعتراضات من صاحبة النص أحلام مستغانمي؟
سمعت الكثير من أحلام عن المسلسل سلباً، وإيجاباً، لكنني أتوقف عند جملةٍ واحدة قالتها: (كما في روايتي صفحات قوية، وصفحات عادية، في المسلسل أيضاً حلقات قوية، وأخرى عادية)، وأنا أجد في هذه الجملة من العدل ما يكفي بالنسبة لي، عموماً حظي مسلسل ذاكرة الجسد بنجاحٍ كبير، وهذا ما أسعدني وأسعد طاقم العمل كثيراً.
ما رأيك فيما يقال إن الأعمال السورية الأكثر شهرة اعتمدت على الأجواء التاريخية، لأنها تخشى الحديث عن الواقع؟
هذا الكلام غير دقيق، لأننا قدمنا الأعمال التاريخية في مرحلة كانت فيها هذه المسلسلات الأكثر طلباً خلال الموسم الرمضاني، ولأن التاريخ مادة يختلف عليها العرب، ألغينا الزمان والمكان فكانت الفانتازيا كشكل فني تحايلنا فيه على الرقابة العربية عموماً، ووجد صداه الجيد عند المشاهد العربي، بعيداً عن الحساسيات، وخرجنا في هذه المسلسلات إلى الطبيعة، واستخدمنا الألوان والأقمشة بطريقة غير مألوفة، إلى أن أتت نسخ أقل جودة، ورغم ذلك مازال هذا النوع من الأعمال مرغوباً لدى المتلقي، لكن إنتاجه اليوم أصبح أكثر تكلفةً، بالاعتماد على التقنيات المتاحة حالياً.
فيما يتعلق بالمسلسلات التاريخية تحديداً، لم أقدم في أعمالي قصصاً مطابقة للتاريخ بقدر ما حرصت على إعادة قراءته لاستخلاص العبر التي تتصل بالواقع المعاصر، ومن هذا المنطلق أخرجت أعمال مثل (إخوة التراب، البحث عن صلاح الدين، وسقف العالم)، وأؤكد أنني كمخرج سوري لا أعاني من الرقابة السورية، ومسلسل "ما ملكت أيمانكم" أكبر دليل على ذلك.
كنت أحد أبطال السجال الدائر بين الدراما السورية والدراما المصرية على مدى سنوات عديدة، كيف تنظر إلى الدراما المصرية اليوم؟
منذ سنوات كانت الدراما المصرية تعتمد الطريقة الكلاسيكية في الإنتاج، الأمر الذي أفقدها تألقها على المستوى العربي في مواجهة تقدم الدراما السورية، ولكن على مدى الموسمين الماضيين عادت الدراما المصرية إلى الأضواء بقوة، من خلال استخدامها للتقنيات الحديثة، واعتمادها على دماء جديدة على كافة الأصعدة، وما يساعد على هذا الوضع السوق المحلي الضخم للمسلسلات المصرية، والتي يجعلها بغنى عن المحطات العربية، وما تفرضه من معايير وشروط إنتاجية قاسية، لذلك استعادت الدراما المصرية ريادتها على مستوى جودة الإنتاج، وجرأة الموضوعات.
ما هي المسلسلات المصرية التي لفتت نظركم هذا الموسم؟
مما شاهدته مسلسلات "الجماعة،" و"أهل كايرو،" و"قصة حب،" ومما يلفت النظر أن المسلسلين الأولين، لم يتم عرضهما إلا على المحطات المصرية فقط، وحققا نجاحاً مهماً، وهذا يؤكد وجهة نظري في قدرة الدراما المصرية على الاكتفاء بالسوق المحلي، الأمر الذي ينعكس على جودة وحرية الإنتاج بعيداً عن ضغوط المحطات العربية.
متى سيحقق نجدة أنزور حلمه السينمائي الذي يراوده منذ الطفولة؟ وماذا عن المشروع الضخم الذي لم يكتمل "الظلم - سنوات العذاب"؟
إنتاج فيلم سينمائي جيد يحتاج إلى تمويل ضخم، وأنا لأملك القدرة على هذا التمويل، ببساطة، كان لدي أمل كبير في فيلم "الظلم- سنوات العذاب،" الذي حضرنا له على مدى ثلاث سنوات، ولم ننجز منه سوى فصل واحد فقط، إلا أن هذا المشروع الذي يتحدث عن فترة الاستعمار الإيطالي لليبيا، وبتمويلٍ ليبي يصل إلى 40 مليون دولار، توقف ببساطة بسبب الصلح بين البلدين، لتفسد السياسة وتقلباتها فرصتي الحقيقية للعالمية، مع فيلمٍ ضخم يضمن ذهابنا إلى جائزة الأوسكار برؤوسٍ مرفوعة، وبنجومٍ من وزن (أنتوني هوبكنز، ومونيكا بيلوتشي)، ومع أسماء مهمة على مستوى السينما العالمية.
ما هي مشاريعكم للموسم المقبل 2011؟
أحضر حالياً لمسلسلين الأول؛ "جنود الله" عن رواية للكاتب السوري فواز حداد، والمسلسل خطوة جديدة في مشروعي الذي يناقش ظاهرة التطرف، ويبحث بشكل أساسي في جذور الأصولية وكيفية وصولها إلى العراق، ويتناول شخصيات عراقية، أمريكية، سورية، ولبنانية، وسيصور في نفس الوقت كفيلم سينمائي، وبأبطال مختلفين عن أبطال المسلسل، وسيساعدنا على ذلك التقنية التي أتاحتها الكاميرا المنتجة من قبل شركة "آري فليكس،" والتي سنستخدمها للمرة الأولى في تصوير هذا العمل.
أما المسلسل الثاني، فيرصد حياة الشاعر الراحل محمود درويش، ( في حضرة الغياب)، حيث توصلت إلى اتفاق أدبي مع صاحب المشروع، الممثل فراس إبراهيم، وأعتقد أنه سيكون عملا مشرفا يتناول حياة الشاعر الكبير، مع القفز على كل الإشكاليات السياسية التي يمكن أن تواجهنا في تقديم مثل هذا العمل الضخم، وسنبدأ التصوير في الخامس من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
cnn