حسان الرواد
** مجتمعات أردنية متنافرة لا متنافسة...؟؟
أي حكمة من هذا القانون, وأي حكمة من هذه السياسات المتعاقبة الممنهجة التي مزّقت الأسرة الأردنية الواحدة في البيت الواحد والحي والمؤسسة والجامعة والمدرسة في الملاعب والشوارع, في قاعة المحاضرة, وداخل الصف المدرسي, وعلى صفحات الانترنت, في الفيس بوك, والصحافة الإلكترونية, وتعليقات القرّاء, على الجدران تنطق الشعارات, وفي الحمامات العامة تتكلم العبارات, وحتى ما يسمى ( بالأغاني الوطنية ) والتي بالأصل يجب أن توحد لا تفرق تجد فيها اليوم ما يكرّس هذا الانقسام, وبات لزاما على كل مدينة وعشيرة أو فريق رياضي, أو حزب سياسي, أن يصنع له مطربا وشاعرا خاصا به يمجد أفعالهم وصولاتهم وجولاتهم ومعاركهم وانتصاراتهم ليظهر كل واحد منهم أن المجد لم يصنع إلا له فقط, تماما كما كان في العصر الجاهلي عندما كان الانتماء الأوحد فيه للقبيلة, حيث لا غنى لها عن الشاعر الذي يمجدها لتكون فوق كل القبائل ولو كان ذلك في غيها وظلمها وبطشها..؟! كما قال الشاعر الجاهلي دريد بن الصمة:
وما أنا إلا من غزية إن غوت ...... غويت وإن ترشد غزية أرشد
بل في داخل السيارات والحافلات تجد ما يدلّل على الواقع المؤلم الذي وصل إليه المجتمع الأردني, والتحوّل الملحوظ الذي أصابه, من مجتمع أردني واحد إلى مجتمعات في الأردن منقسمة ومنغلقة على نفسها ترفض الآخر؛ ليس لشيء سوى أنه لا ينتمي إليها..؟ فما عاد الانتماء للأرض والدولة, وما عاد للانتماء عنوان واحد ولا مفهوم واضح, ففي هذا أيضا اختلفنا وانقسمنا, لم يعد الأمر يقتصر في بلدي على أصول شرقية وغربية مقيتة, بل بتنا مجتمعات عديدة من شمال ووسط وجنوب, وفي هذه أيضا مجتمعات عشائرية منقسمة ومستنفرة, وهكذا دواليك حتى يصل الانقسام لأفراد البيت الواحد, وبين الرجل وزوجته؟
وما مظاهر العنف والمشاجرات الجماعية المتزايدة ذات الطابع العشائري في المدن والقرى الأردنية والتي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء وما تبعها من مظاهر التفكك الأسري والمجتمعي إلا دليل واضح على الحالة الاجتماعية السيئة والخطيرة التي وصلت إليها البلاد نتيجة لهذه السياسات.
*** قانون الصوت الواحد عصري أم عنصري؟
الصوت الواحد يعني العشيرة الواحدة؛ وهو تكريس للعصبية العشائرية بأسوأ صورها, وفيه إقصاء لكثير من فئات المجتمع الأردني سواء من العشائر الأردنية التي لا تتمتع بأعداد كبيرة تمكن أفرادها من المنافسة للدخول إلى البرلمان رغم الكفاءة التي يتمتعون بها ويتفوقون فيها على الآخرين, أو للأردنيين الذين ليس لهم امتداد عشائري, رغم الكفاءة العالية والحقوق الوطنية التي تؤهلهم لذلك, فالصوت الواحد يعني العشيرة الواحدة التي أرادت لها الحكومة أن يكون منها النائب والعين والوزير وتقلد المناصب العليا المختلفة, ففي كل مدينة قامت الحكومات بالتركيز على عشيرة معينة لتلقى كل الحظوظ وأهملت بقية العشائر الأخرى مما أدى إلى الشعور بالظلم والغبن فدبت الفرقة, وغاب التنافس إذ لم يعد له معنى, ووهنت العزيمة, وانعدمت الكفاءة, وضاع الانتماء وتشتت بين العصبيات المتكاثرة, والخاسر الأكبر من كل هذا هو الوطن, فالصوت الواحد أضعف الوطن, ولم ينتج عنه إلا مجلسا ضعيفا, والحديث عن مجلس نيابي قوي وممثل للمجتمع الأردني وهم وسراب, ولو أرادت الحكومة أن يكون المجلس قويا لاستبدلت هذا القانون بآخر يضمن مشاركة كل شرائح المجتمع, لوصول الأفضل من الناس, ولضمان بقاء الدافعية عند كل مواطن أردني واع ومثقف لكي يخدم وطنه بكل تفان حتى لو لم يكن يملك مالا وفيرا يؤهله لذلك, أو يملك قاعدة عشائرية توفر له هذه الفرصة, عندها لن نترك لأي مواطن منتم فرصة الشعور بالاغتراب, والعزوف عن أي مشاركة في خدمة هذا الوطن الذي يتسع للجميع بدون استثناء.
ففي أمريكيا غالبية السكان مهاجرين, وفيها من الأعراق والأصول والأديان والملل ما فيها, لكن حقوق المواطنة فيها متساوية وعادلة, والجميع تحت القانون, والتنافس الشريف هو سيد الموقف (لكل مجتهد نصيب) إلى درجة جعلت من الأفريقي أوباما رئيسا لها, عندها لماذا لا يكون الانتماء الذي جعل منها الدولة الأقوى في العالم انتماءً حقيقيا, ما دامت فرص كل المواطنين متساوية وعادلة.
rawwad2010@yahoo.com