قبل أن أبدأ حديثي إليك، اسمحلي أستاذي أن أخاطبك بلغة المفرد وذلك على غير ما درجت عليه ألسنة العرب حينما تخاطب الكبار، فتلك اللغة صارت اليوم لحوارات النفاق السياسي هي أقرب ، ولأحاديث المصالح هي أكثر استخداماً ، فمثلك لا ينتظر معسول الكلام، إذ حديثي إليك اليوم همسة ابن لأبيه ، وأخ يصغرك بمقدار خبرتك في الحياة، فزادتك عليه السنون حكمة لا تقدر بآلاف السنين، ثم هي لغة تلميذ لمعلمه لا تفصله عنه الألقاب البراقة التي لمعت في عالم السياسة والجاه المنتَحل، بل هي لغة تلميذ ظل قريباً من معلمه ينهل من سيرته ومواقفه رغم التنائي في المسافات وعدم معرفة أحدهما بالآخر، فصارت العلاقة أسمى من العشيرة، وأعظم من صلة القربى، إنها علاقة أرى بنيانها اليوم على أساس قوي متين، أساسه العقيدة وحب الوطن والوفاء له ، ذاك أنك معلم الجبل وشمسه التي سطعت على مدار عقود ، فكان نتاجك ذاك العدد الهائل من أبناء عجلون ... أطباء ومهندسين، معلمين وجنوداً أوفياء وعلماء مفكرين ، كنت لهم الشمس وبقيت مقاماتهم ونجوميتهم تستمد سطوعها من ضيائك الذي ما خبا وما انكسف...
أجل أستاذي النبيل، فالنبل ليس وصفاً تجود به الحكومات ، إنما هو تجذر الدين والخلق والوفاء في شخوص عاشوا العمر لله ، ثم للوطن وأهله ، وهكذا كنت، وبهذا النبل نراك ونحسك في كل أقوالك وأفعالك ، كما شهدت بها مواقفك التي شمخ بها جبل عجلون علواً فوق علوه ، وشهدها أردننا العزيز بكل مدنه وقراه، بل وكل مواقعك في وطننا العربي الممتد عبر الصحراء إلى مكة وقبر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ملهمك ومعلمك الذي ما اتخذت سواه قدوة لهذه المواقف...
أستاذي المربي، أناديك بها لأنها شرف لكل من حملها ؛ فقد عرفك جبل عجلون أستاذا مربياً ، فبقيت على مدار خمسة عقود تعطي ولم تعرف الكلل ، وما نال منك حظه الملل ، وما زلت متوقداً تنير لنا الطريق بسيرة كلها عطاء ، وما كان نبع ذاك العطاء إلا حب الوطن ، والوفاء له ، وقبل الوطن كان الله ورسوله خير نبع لنهر عطائك، ومن كان الله ورسوله نبع العطاء في حياته، تأكد أن ذلك النهر لن يتوقف ... بل سيظل يعطي ويعطي ويروي كل من به ظمأ .... دمت لنا ودام هذا العطاء الثر الغزيز ...
سيدي ، ليس الوصول إلى قبة المجلس النيابي شرفاً ، لكنك لو صرت إلى تلك القبة لتشرف بك المجلس وازدانت بك القبة نوراً وبهاءاً ، لكن يبدو أن عرسنا الديمقراطي قد أخطأ أهلُه الفرح ، فنحن نخطئ الفرح كما نخطئ الإفلات من الحزن، وما دام هذا فعلنا فعلينا الغرم بكامله ، وهذا لا ينقصك قدراً ولا مكانة...
منهجك أستاذي كان بيناً واضحاً لكننا لا نتقن القراءة ، مواقفك كانت على الدوام مشرفة ، لكن ذاكرتنا لا تدخر الكثير مما خزنته من مواقف لمثل هذا اليوم ، دورك في قيادة الجهاز التربوي في عجلون وعطاؤك الثر الغزير لا أحد ينكره، لكننا عجزنا عن رد ولو عشر هذا العطاء امتناناً لك عند صناديق الاقتراع.
جَلَدك وصبرك حينما حرّقوا مقرك الانتخابي يثبتان لنا عزيمة الأوائل الذين حرقت أجسادهم على رمضاء مكة تعذيباً ولم يتنازلوا عن مبادئهم وقيمهم ، وتسامحك مع من أساؤوا لك هو امتداد لعفو نبينا عليه السلام عن أهله حينما عاد إليهم منتصراً فناداهم بصوت محب رحيم \"اذهبوا فأنتم الطلقاء\" ، وتواصلك مع وطنك بعطائك هو ديدن أؤلي العزم ، لا تثنيهم الصعاب ولا تحط من عزيمتهم المثبطات.
لستَ سياسياً لتلعب الدور بذات الطريقة التي يلعبها الآخرون فتقنع عوام الناس وتملأ نفوسهم بالسراب، لكنك الأب والمربي والإداري الذي يرعى ويقوّم ويصحح المسار إن أخطأ الآخرون ، لهذا دورك اليوم بين أهلك ومحبيك أعظم وأكبر وأجل من أي دور آخر، ودورك اليوم لتوعية أبنائك في عجلون كلها ، بكل عشائرها هو امتداد لرسالتك التي لم تبخل بنشرها على الملأ من قومك، فأنت معلم الناس الخير وأنت أستاذنا جميعاً ، ولمثلك يطمئن الوطن ويعلم أنه لا يضام ما دام يدب على ثراه أنت ومن هم على مذهبك وطريقتك في العطاء ....
أستاذي الكريم : لم أشأ بهذه الكلمات مدحاً لك ، لكن هي كلمة حق أردت قولها بعد انتهاء \"عرسنا الديمقراطي\" ، لا أحابيك على غيرك بها لصلة قربى أو لارتباط عشائري ، بل أراك مميزاً بعطائك ومواقفك بين أبناء الوطن كلهم، فكثير من إخوتنا وأبناء عشائرنا كافة يتشابهون في العمل ، كلماتهم مضيئة ، أفعالهم مخلصة ، غير أنهم متفاوتون... فلئن كثرت كنوز وطننا ، فأنت أنفسها ، ولئن تعددت أقمار بلادنا فأنت شمسها، ويكفيك أن الله جعل لك من فضل الرسالة التي حملت ووعيت وأديت شرف تسخير كل المخلوقات لتدعو لك عرفاناً من رب الكون بصنيعك الجميل كما أن الله ورسوله يصلون عليك، حيث كان حديث نبينا صلى الله عليه وسلم يؤول هذا الرضا الإلهي حينما قال: \" إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير\" ، أقول فيك هذا معتذراً عن كل أبناء بلدك من تلاميذك، نحسبك كذلك بعلمنا ولا نزكيك على الله... ونسأله سبحانه أن يجزيك خيراً عن كل ما قدمت ، وننتظر منك المزيد ... فأهلك وتلاميذك وعشيرتك ، وكل الذين أحبوك مازالوا ينتظرون المزيد ... أطال الله في عمرك وختم لك بالصالحات وتقبل الله منك جهدك الطيب المبدع ....
أيها الأهل في عجلون : أنتم أكثر معرفة بفضائل أستاذنا ، فلربما أنقصته حقه بهذه الكلمات ، لكن حقه فيكم مازال واجباً ، فلا خير في أمة وعشيرة تنكّرت لحكمائها وأهل العلم فيها ... لا تترددوا في النهل من عطائه ، أستاذنا هو ابن عجلون كلها، وابن الأردن البار... فهنيئاً لمن كان بقربه وناله شرف التعلم على يديه ... أيها الأهل : لا خير فينا أبداً إن لم ننصف أستاذنا ومربينا ....
دمتم بفرح ودام لنا أردننا عزيزاً بأهله قوياً بقوة إرادتهم ....