عملاق أنت يا أبا مصطفى, عملاق أنت أيها الشهيد, عملاق أنت يا وصفي.
عملاق في أربد, عملاق في عمان, عملاق في القاهرة, وعملاق في الكمالية.
عملاق حيث كان, وعملاق مقبض المنكوش الذي تعطر بعرق وصفي التل, وما زال ينتظر صاحبه على أعتاب التاريخ هناك ليعانق يديه, يمضي معهما للعمل والجد وعزق الأرض.
وعملاقة تلك الكنزة السوداء التي ما زالت تحمل نوتة العطر الوصفوي المشكل من وصفته السرية العجيبة, حب الوطن الامنتهي, ولاء وانتماء لا نظير لهما, جهد وعطاء واستعداد للتضحية, وقطرات عزيزة زكية من دمه الذي سقا تراب الوطن.
وعملاقة كل أشيائه التي ما زالت تمتنع عن تصديق نعيه وتشييعه. وما زالت تتوقع أن يدلف في أي لحظة من أبواب الوطن العالية الى الأحداث وحمل الرسالة.
أربعون عاما مضت, ولم يمضي الرجل. أربعمائة وثمانين شهرا مضت, ولم يمضي الرجل. استشهد ولكنه لم يمت. قضى نحبه كما وعد الرحمن سبحانه, ولكنه حي عند ربه يرزق. فني جسده الطاهر, ولكن روحه بيننا ومعنا باقية, وفكره يحركنا ويدفعنا لحمل الأمانة والمضي في الدرب.
عملاق أيها العملاق, عملاق خلقت, وعملاق عشت, وعملاق استشهدت, وكذلك بقيت.
وكلما ازداد الرعاع تقزما, ازددت شموخا وعزة وأنفة. وكلما ازداد سدنة الرذيلة اضمحلالا وصغارا, ازددت عظمة وسمقا أيها الوصفي.
وكلما بتنا لا نرى من أشباه الرجال الا القليل والعيب, كلما ملات علينا الأرض والفضاء طهرا وألقا أيها العزيز.
وكلما خفتت أسرجة وضيعة يضيئها دهن العفن وأبخرة العهر, كلما سطع في سمائنا نجمك, وزاد تدور بدرك أيها الشريف العفيف النظيف.
وحقك أيها العزيز, ودمك أيها العملاق, وكل الوفاء والصدق والرجولة أيها الأب والأخ والحبيب, لن نسمح أن \"يذبح الشهيد من جديد\"
ولن نسمح أن يحرق الحقد أشيائك. ولن نخذل حاجاتك وما حمل اسمك وفكرك. ولن نترك الأقزام واللؤم والضغينة الدنيئة في صدورهم تتطاول على شموخك وعظمتك.
وسوف نزرع شجرك من جديد, ونسقيه من عرقنا ودمنا من جديد. وسوف نبعث من رماد غابتك الشماء فينيقا وصفويا جديدا عملاقا لا يأبه بالحقد ولا يقيم وزنا للحاقدين.ولا يهاب الأرهاب والجراد, يقمع الحيف ويمحق الظيم والظلم.
سيدي الشهيد وصفي التل,
صبر أهلك نفذ, وحلم أهلك نفذ, وتوق أهلك للصفح والنسيان نفذ. وقبول أهلك أن يعيش بينهم من يكرهك ويحقد على فكرك وذاكرتك ويعتدي على أشيائك, ما عاد ممكنا ولا جائزا. والتغاضي الأمني عن تلك الإعتداءات المتكررة وتحت مسميات مريضة تافهة لا معنى لها, ما عاد الوصفة التي نتعايش معها او نرضى بها.
سوف نكتب تاريخنا بأنفسنا ونحميه بأنفسنا. وسوف ننتصر لفكرك ورسالتك بأنفسنا, وسوف نصنع مستقبلنا وغد أجيالنا ووطننا بأنفسنا.
من يحرق غابتك أيها الشهيد, لن ينجو كما نجا من وجه اليك رصاص الغدر والحقد. ومن يمنع اسم الشهادة عن اسم شارعك في عاصمتك الأبية عمان, لن ينجو كما نجا من من تآمر عليك. ومن يلاحقك شهيدا يا بدر السماء الأردنية الصافية, لن ينجو كما نجا من عرقل مسيرتك وتلصص على خطواتك حيا. أما من استخدم الشرع واالدين لمنع زيارتك واستذكار مليحاتك, فله في الأرض والسماء رادع.
أنت سيدي تاريخنا المجيد التليد, الذي نعتز به ونفخر, والذي سنحميه وندفع عنه كل عدوان.
وفكرك ورسالتك الوطنية سيدي, هي التي ستصنع المستقبل ووعي الأجيال, وهي امانة في أعناقنا.
ومن لا يحمي التاريخ, لن يصنع المستقبل, سيدي
جمال الدويري