بقلم : د. احمد ابو غنيمة
تأبى الحكومة ، وأقصد هنا أي حكومة أردنية تُشرف على انتخابات نيابية في وطننا الحبيب الأردن إلا أن تترك بصماتها التي لا تخفى على أحد عند إجرائها إنتخابات ، لئلا يسجل التاريخ أن الحكومة الفلانية برئاسة الرئيس الفلاني أجرت انتخابات لم يتحدث عنها أحد بما يسوءها. في انتخابات برلمان 2010 ، تفوقت الحكومة الحالية على نفسها وعلى من سبقها وسجلت سِبقاً على كل الحكومات التي سبقتها، فالأحاديث عن التزوير والتلاعب بالإنتخابات بدأت قبل إجراء الإنتخابات من خلال اختراع ما يسمى بالدوائر الوهمية التي أفرزت رئيساً للمجلس القادم وعدد لا بأس به من المرشحين - والذين أُعلن عن فوزهم فيما بعد – قبل أن تجري الانتخابات.
كذلك فإن كل أحاديث الحكومة عن الشفافية والنزاهة تلاشت مع استمرار سكوتها على ظاهرة المال السياسي الذي كان يجري تحت سمع وبصر الحكومة وأجهزتها المعنية دون أن يرف لها جفن او يحرك لها ساكناً، حيث رأينا وسمعنا وقرأنا عن تجاوزات لشراء أصوات ناخبين ليس في الغرف المغلقة بل امام أماكن الإقتراع وعلى مرأئ من الناس ومسمعهم، ومع هذا لم تحرك الحكومة وأجهزتها ساكناً لطمانة باقي المرشحين الذين لا يقبلون لأنفسهم أن تتلوث ثقة الناس فيهم بمال فاسد مثل صاحبه.
كتب الكثيرون حول عدم جدية الحكومة في مواجهة المال السياسي الفاسد بدعوى رغبتها برفع نسبة الإقتراع، وتأثير هذا الصمت على نزاهة ومصداقية الإنتخابات وسمعة الأردن في المحافل الدولية ، ولكن الحكومة لم تأبه بهذه النصائح واستمر المال الفاسد يصول ويجول دون رقيب أو حسيب ، سوى ما حاولت الحكومة أن تضحك علينا به من إلقاء القبض على مرشح وبعض الأنصار وتحويلهم إلى القضاء ، مع مفارقة غريبة تمثلت في استمرار ترشيحة للإنتخابات وكأن شيئاً لم يكن !!! المخالفات والخروقات التي حدثت في يوم الإقتراع والفرز، تحدثت بها وسائل الإعلام وعدد كبير من المرشحين، بدءاً من شراء الأصوات علانية أمام صناديق الإقتراع ، ومروراً بالإشتباكات التي حدثت في كثير من المناطق بين أنصار المرشحين نتيجة ملاحظاتهم حول سير عملية الإقتراع ، وانتهاء بقضية الصناديق \" الفضائية \" التي هبطت دون سابق إنذار على بعض مراكز الفرز في الساعات الأخيرة لعملية الفزر والتي على إثرها تغيرت نتائج الكثيرين وتبدلت مواقعهم من الفوز المؤكد إلى الخسارة غير المبررة وغير واضحة المعالم والأسباب، ومثال على ذلك صناديق رقم 62 و 299 في الدائرة الثانية في عمان والتي احتوت على أصوات فلكية لأحد المرشحين الذين \" نُجّحوا \" والذي لا يعرف المناطق التي جاءت منها هذه الصناديق !!!.
لقد أضاعت الحكومة فرصة ذهبية لإثبات جديتها ونزاهتها في إجراء الإنتخابات ولم تأخذ بالأوامر الملكية وبنصائح الكثيرين حول ضرورة إثبات النزاهة الكاملة والمصداقية في إجراء هذه الإنتخابات، لتعزز الأقاويل والأحاسيس عند المواطنين بأن أي انتخابات نيابية تجري في الأردن لن يُكتب لها أن تكون مثالاً في النزاهة والمصداقية، فهذه الصفات بيدو أنها تسبب حساسية شديدة للحكومة لا تستيطع تحمّل أعراضها الجانبية.
ولذلك فليس غريباً أن تسمع الحكومة من المواطنين منذ الآن مقولة \" باي... باي ... انتخابات نيابية \" لأي انتخابات نيابية تجري مستقبلاً، فالناس تصبر مرة ومرتين وثلاثة ولكن للصبر حدود كما تعلمون.
أما قصة تصريحات وزير الداخلية حول عدم وجود نية للحكومة لنشر نتائج المرشحين الذين لم يحالفهم الحظ في هذه الانتخابات بحجة \" عدم إحراجهم \" ، فتلك دعابة طريفة من معالي الوزير للشعب الأردني الذكي في حقيقته والساذج في نظرهم !!!