وأخيراً عادت الحياة النيابية بعد غياب اضطراري دام بضعة أشهر, ارتآه صاحب الجلالة الملك, مصلحةً للوطن والمواطن عندما لمس ضعفاً شاب أداء المجلس الخامس عشر المنحل... وبعودة مجلس النواب منتخباً انتخاباً شعبياً نؤكد للعالم أجمع أن قيادتنا الهاشمية الحكيمة متمسكة بالحياة الديمقراطية التي كانت وما زالت وستبقى بإذن الله أنموذجاً وبادرة رائدة من بوادر الإصلاح السياسي في الوطن العربي بأسره.
المناخ العام بعد ظهور النتائج بغض النظر عن بعض الاحتجاجات هنا أو هناك من مترشحين لم يحالفهم الحظ, يسجل ارتياح ورضا الأغلبية من الأردنيين والمراقبين للإجراءات التي طبقتها الحكومة أثناء سير عملية الاقتراع, ويجمع الكثيرون على أن الحكومة نفذت وطبقت ما وعدت به من حيادية ونزاهة وشفافية, وبالتالي فإن تشكيلة المجلس المنتخب سواء كانت قوية أو ضعيفة مسئول عنها أولاً وأخيراً أمام الله والوطن الناخب الذي صوت واختار, وهو وحده سيتحمل تبعات أداء النواب سلباً أو إيجاباً.
الانتخابات \"مزوَّرة\" وِلاَّ \"نزيهة\" انتهت... وجاء من جاء وفشل من فشل, ومضت مرحلة وأصبحنا الآن أمام مرحلة جديدة من مسيرة الوطن, مرحلة تتطلب من نواب الأمة الجدد التطلع نحو الأفضل والأحسن, وعليهم أن يدركوا أن صديق الوطن الحميم هو العلم والمعرفة والنزاهة والاستقامة والإخلاص والتضحية في سبيل الواجب بعيداً عن الأنانية والمنفعة الشخصية, وأن عدو الوطن اللئيم هو الجهل والتأخر والتخلف وتغليب المصلحة الذاتية والواسطة والفساد والمحسوبية على المصلحة الوطنية العليا للبلاد.
وعليه فإن على نواب الأمة أن يعوا تماماً, أن التقدم والرقي ليس فقط بالبنيات الحديثة والشاهقة ولا بالإكثار من الخدم والحشم في البيوت ولا في اقتناء السيارات الفارهة ولا في إتخام الجيوب والبطون, وإنما يأتي بالدرجة الأولى عن طريق تغيير الكثير من المفاهيم والسلوكيات والثقافات الخاطئة اتجاه الديمقراطية وممارستها واستبدال العقول المتعفنة بعقول نيرة شابة مخلصة قادرة على خدمة الوطن والبذل والتضحية والعطاء والتجديد, واستخدام الكفاءات العلمية في جميع مجالات الحياة, فإذا استطعنا أن نجعل من النزاهة والاستقامة والانتماء والإخلاص والمعرفة والعلم أصدقاء لنا في إدارة شؤوننا, ومسيرتنا الديمقراطية والتقدمية, فلا شك أنه سيأتي يوم نقول فيه أننا الآن أصبحنا في مصاف الدول تقدماً ورقياً, وعليكم يا نواب الأمة أن تعرفوا أن هذا اليوم لن يأتي إلا إذا غيرنا من نظرتنا نحو الماضي والمستقبل, فيكون التطلع إلى الماضي معياراً لمحاسبة أنفسنا في مدى الشوط الذي قطعناه نحو المستقبل, ويكون التطلع إلى المستقبل, أداه لمحاسبة مدى ما وصلنا إليه من تأخر في واقعنا الحاضر, ومن ثم قياس صحيح لمعرفة إلى أين نحن نسير وبأية سرعة نقطع هذه المسيرة, وهذا لن يكون ولن يتأتى لنا إلا إذا أصلحنا جهازنا التشريعي والرقابي, فعلى نوابنا الذين يقع على عاتقهم عبء تشريع القوانين ومراقبة أداء السلطة التنفيذية ومحاسبتها, أن يكونوا على صلة تامة بتقدم الأمم الأخرى ومدركين للأخطاء التي مرت بها في خططها وسياساتها التقدمية, وعارفين للأوضاع والدوافع السياسية التي تحرك منطقتنا وتؤثر علينا, وواقفين على الوسائل الكفيلة بالنهوض بأردننا إلى مصاف الدول المتقدمة الأخرى.
على نوابنا أن يقفوا عند حقيقة أننا في الأردن لم نعد بحاجة إلى ديمقراطية شبيهة بديمقراطيات العالم العربي نظراً لغياب الوعي لدى غالبية أفراده في ممارسة الديمقراطية على وجهها الصحيح والأمثل, وإنما نحتاج إلى ديمقراطية يحمل مشعلها جيل مثقف واعٍ ومخلص وجريء يعمل لمصلحة الوطن العليا لا لمنفعةٍ شخصية وجهوية وإقليمية أو عشائرية, فالأردن بحاجة إلى مشرعين واعين وقادرين على دفع عملية التقدم والرقي إلى الأمام, لا إلى نواب تنقصهم الخبرة والدراية والفهم والإدراك, فمصلحة ومستقبل الوطن الآن وفي هذه الظروف العصيبة والصعبة التي يمر بها وتمر بها المنطقة من حولنا, تتطلب من مجلس النواب المنتخب (السادس عشر) أن يكون عند مستوى المسؤولية, وان يكون عند حسن ظن قائد الوطن والشعب فيه, وأن يكون مجلس مصلحة وطنية عليا, ومجلس شرف وإخلاص ونزاهة واستقامة و ولاء وانتماء, لا مجلس منفعة شخصية وذاتية, ومجلس جهل وتبعية, ومجلس \"قرف\" الأفعال والأقوال والسلوك والتوجهات, فوطننا اليوم يعيش عصر التحدي, وعصر الوجود, وعصر الصمود, وعصر الثبات, فهل نستطيع أن نتقبل هذا...؟ الإجابة متروكة لمجلس النواب السادس عشر لخلق الرؤيا النموذجية لمستقبل الأردن ومستقبل أبنائه من خلال تفعيل دوره الرقابي والتشريعي.
Email: moeenalmarashdeh@yahoo.com