لقد استطاعت الحكومة بكل ذكاء المتمكن والمتمرس في وضع الخطط والاستراتيجيات ذات النفع الغير قابل للفشل ، من وضع قانون مفصلاً \" على المقاس \" ، فكانت رؤيتها عندما كلفت \" بهذا المشروع \" ، وفي غياب المجلس التشريعي ، أن مشروع قانون الانتخاب \" المفصل \" لن يحتاج إلى مناقشة أو إبداءً للرأي من مجلس التشريع لأنه في واقع الأمر أن المجلس كان في حالة غياب شرعي ولا يوجد من ينوب عنه إلاّ الحكومة ذاتها التي فصّلت هذا القانون ، ليأخذ فيما بعد الصفة الشرعية في التطبيق ..!!
فذهبت الحكومة من خلال بنوده إلى تفتيت الدوائر إلى دوائر \" وهمية \" ، تشتت بها أفكار المرشحين والناخبين معاً ، فالمرشحين وقعوا في حيرة من أمرهم حينما فُتح باب التسجيل للترشيح ، ولم يكن حينها مسموحاً إظهار أسماء المرشحين المسجلين في الدوائر الوهمية ، وذلك لحين استكمال عملية الترشيح .. وفي توقعاتي ، ولضبابية هذا الأمر وبنود هذا القانون برمته ، لجأ بعض المرشحين إلى قرعة كنا نلعبها ونحن صغاراً \" الفنّه \" ويقولون في داخلهم \" لعلّها تزبط \" ..!!
إن قانون الانتخاب الجديد ، والذي طبق مؤخراً لأول مرة في الأردن ، لم يكن ليكون لولا أن الحكومة ومن أجل إستمراريتها كانت تحتاج إلى مواصفات خاصة من ألأعضاء \" النواب \" يجلسون تحت قبة البرلمان ، دون النظر إلى ميولهم يمينية أو يسارية أو وسطية ، بل نظرة واحدة كانت تكفي أن يكونوا \" بصمجية \" ، فلم تجد حكومتنا الرشيدة لذلك سوى مفهوم واحد قد يؤدي الغرض وهو مفهوم \" فرق تسد \" ، فذهبت إلى تقسيم الدوائر إلى رئيسية ودوائر وهمية منبثقة عنها ، وأن بصمات هذا المفهوم واضحة وجلية لو نظرنا إلى الأحداث \" غير الحضارية وغير المسؤولة \" والتوترات التي سادت في المدن والقرى الأردنية بعد إظهار النتائج .. التي نتجت عن عدم ارتياح وقبول بعض المرشحين وناخبيهم بالنتائج النهائية للإقتراع ..!!
إن البنود والفكرة الذكية التي وضعتها الحكومة في قانون الانتخاب الجديد ، قد أتت أُكلها بالنسبة لها ، رغم أن العدل لم يكن مراعياً لو أخذنا بعين الاعتبار القانون الانتخابي السابق الذي كان يتعامل مع الحاصلين على أعلى الأصوات في الدائرة الواحدة بأنهم هم \" الناجحون \" وهم من يستحق اعتلاء كرسي البرلمان .. !!
والمثال على أن هذا القانون لم يراعي العدل أو الأحقية في المقعد البرلماني ، \" وليس من باب الحصر أو المحاباة ، بل من باب القياس \" .. فلنأخذ محافظة اربد مثلاً الدائرة الأولى \" القصبة \" .. الوهمية الأولى أعلى الأصوات فيها كانت \" 2878 \" ، وفي الوهمية الثانية \" 4902 \" ، والثالثة \" 6558 \" والرابعة \" 2863 \" والخامسة \" 6070 \" ، وبقراءتي لها أجد أنها تخلو من التوازن والانسجام .. بينما وحسب القانون السابق فإن أعلى الأصوات لقصبة اربد وللحاصلين عليها الأحقية في الجلوس تحت قبة البرلمان وعلى التوالي هيّ .. \" 6558 ، 6070 ، 5631 ، 4908 ، 4769 \" وهذه الأرقام قد يتقبلها المنطق العقلي والعاطفي بكل شفافية .. وكذلك أيضاً الدائرة الثانية التي قُسمت إلى ثلاثة دوائر وهمية أحدها مقعد للأخوة \" المسيحيين \" .. فأعلى الأصوات حسب القانون الجديد كانت في الوهمية الأولى \" 6167 \" والثانية \" 3046 \" .. بينما الأحقية لمن حصل لأعلى الأصوات حسب القانون السابق وعلى التوالي \" 6167 ، 3656 \" ، وقس على هذا المنوال أيضاً في أغلب الدوائر الانتخابية في المملكة .. ومن خلال هذه الأرقام أعتقد أن الغبن قد وقع بحق الذين بذلوا الجهد والوقت والمال كما ذكرت \" غير السياسي \" من أجل تجميع العدد الأكبر من الأصوات كنوع من المنافسة المشروعة في هذا العرس الوطني ..!!
وفي مثل هذا السياق في إعطاء كل ذي حقٍ حقه .. فعند تقوم الحكومة بإعلان نتائج الثانوية العامة \" كمثال \" ، وعندما يتم اختيار \" العشرة الأوائل \" على مستوى المملكة يكون لأول عشر طلاب ممن حصلوا على أعلى مجموع للمعدلات ، حتى لو كان هؤلاء العشرة طلاب من مدرسة واحدة من مدراس المملكة .. وبما أننا لا ننكر على هؤلاء التلاميذ الذين صُنفوا \" بالعشرة أوائل \" مجهودهم وتعبهم الذي أعطاهم صفة الأفضلية على أقرانهم ، يجب علينا ونحن ننتخب \" مجلس تشريع \" أن لا ننكر على هؤلاء \" المرشحين \" أيضاً تعبهم وجهدهم .. لذلك وفي ختام مقالتي ، ألطعن بنزاهة الانتخابات غير وارد ، ولكن أستغرب وبعد التفتيت الذي جاء به قانون الصوت الواحد جيء بآخر جديد زاد من اتساع الشرخ السابق الذي كنا نأمل تضميده بقانون آخر يعمل على ازدياد الّلحمة الاجتماعية والوطنية ..!!
م . سالم عكور akoursalem@yahoo.com