"الحكومة والنواب \"التم المتعوس على خايب الرجا\"
مساء الخير ... بات مؤكداً اليوم وبعد فرز النتائج وإقراراها أن الناخب أو بعبارة أخرى المواطن الأردني يعيش حالة انتظار غير مسبوقة ليلعق الشهد ويأكل المنّ والسلوى، وذلك ظنّاً منه أنه اختار مجلسه النيابي وأملاً في تغيير حكومي يضمن له ذلك. لهذا أتمنى أن لا أعكر صفوه بهذه المقالة وأفقده السلوى على ما حل به من \"بلوى\" ولما أصابه على مدار عقود من توالي حكومات ومجالس نيابية هم أشبه بـ\"السكافية\"، لكنهم يمارسون السياسة والحكم والتشريع ... مع اعتذاري الشديد \"للسكافية\" فما قصدت إهانة المهنة إذ كل مهنة تدر حلال المال هي شريفة بغض النظر عن تواضعها، لكن أحببت ترجمة مقولتنا \"الرجل المناسب في المكان المناسب\" بواقع الحال وهو عكسها، أي \"الرجل غير المناسب في موقع الحكم والقرار والتشريع\".
قبل أعوام كنت أقوم بعملية تقييم لصلاحية كتب اللغة العربية التي تصدّر للمدارس الإسلامية في الولايات المتحدة من أقطار عربية، أو تلك المؤلفة من قبل أصحاب بعض الدكاكين في أميركا، حينها كان البقال والخباز والنجار والحداد والسكافي وربما كل أصحاب المهن يقومون بتأليف كتب في اللغة العربية وتقديمها مدعين أنها الأفضل بين المناهج لكسب بعض الدولارات، وكم كان يضيق صدري وينفد صبري حينما أقرأ هذه الكتب، وكثيراً ما كنت أطرح الكتاب بقوة باتجاه الحائط تعبيراً عن استيائي من درجة رداءته، حينها وعلى صوت ارتطام الكتاب بالحائط كان يأتي صاحبي مسؤول المؤسسة مبدياً ابتسامته لعلمه أن شيئاً سيئاً قد استفزني لألقي الكتاب بهذه الطريقة وهذه القوة، وقبل أن يسألني كنت أقول لصاحبي \"يا زلمة شو هالمؤلف؟ هذا سكافي ، شو دخله باللغة العربية؟\" ثم وبعد شرح مفصل لرداءة ذلك الكتاب أضع في الحاشية مقولتي حوله \"المؤلف سكافي\" .... مرة أخرى أعتذر بشدة من \"السكافية\" فليس المقصود الاستهزاء بالمهنة التي تدر عليهم قوت يومهم.
حكومة \"سيدنا الرفاعي\" جاءت وحلفت يميناً مغلظاً، المسلم منهم وضع يده على المصحف، كما وضع المسيحي يده على الإنجيل، لكن يبدو أن المصحف والإنجيل لا يعنيان شيئاً لأعضاء الحكومة وبدت العملية \"روتين\" لا يتعدى أي روتين آخر في حياة أحدنا كشرب القهوة وتدخين \"سيجارة\" لا سمح الله ....
ثم قدمت الحكومة وثيقة عهد تشهد الله والتاريخ والشعب و كل الخلائق أنها ستفعل ما بوسعها لتنفيذ خطط تصلح أحوال الناس اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وتربوياً وفي كل مناحي الحياة، لكن وبكل أسف شاهدنا على مدار ما يقرب من عام فشل الحكومة التي عملت دون مجلس نيابي، فالأحوال الاقتصادية لا تسر حتى الفئران التي هجرت بلدنا بسبب الجوع ، وتلك الجرذان التي هاجرت عنوة ضمن معونات القمح انتحرت حينما علمت بوضعنا الاقتصادي في مينائنا الباسم.
أما اجتماعياً فحدث ولا حرج، فالأخلاق في أدنى معدل لها منذ عصر الانسان الأول ، وحاويات القمامة أصبحت مكباً للقطاء، جرائم بكل الأشكال والألوان ، وعهر وابتذال طالا حتى شهر رمضان المبارك تحت ما يسمى \"بالخيم الرمضانية\" ، وبقية صور الفساد الاجتماعية يطول الحديث عنها ... ماذا كسبنا يا ترى من كل ما جرى على مدار عام .....
تربوياً ؛ حكومة الرفاعي اتخذت المعلم عدواً \"ومسخرة\" ثم طلبت منه أن يخلص في العمل ؛ منعته تأسيس نقابة ، أحالت نشطاء المعلمين إلى الإستيداع \"كلمة لا تليق بمعلم ينشئ أجيالاً... هل هذا معناه وضعهم في مستودع مع الأثاث المكسر والمواد البالية ؟!!!\" ، ثم قام وزير التربية الأسبق بطلبه الشهير من المعلمين \"حلق اللحى ولبس الجديد\" ، وظلت الأمور تنتقل في أدراج مكاتب الوزراء وخسرنا عاماً دراسياً كاملاً ونحن نعيش هذه المهاترات ....
سياسياً ، ظلت الحكومة \"تفرقع\" وهي تبشرنا بأن مجلساً نيابيا سيولد من رحم معاناتنا ليفرز ممثلين للشعب ، وضعت قانونها الانتخابي، ناهيك عن الصوت الواحد، قامت بتقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية ، ثم جاءتنا بما يسمى بـ\"الدائرة الوهمية\" ... وحتى هذه اللحظة لم أجد تفسيراً للدائرة الوهمية .... هل هي سيارات الإسعاف التي تنقلت بين المراكز أم فكرة إطفاء التيار الكهربائي، لا أدري ولا أعلم أن هناك مسمى كهذا في عالم الديمقراطية الذي تتبجح به الحكومة.
عموماً وصلت إلى استنتاج مفاد أن الحكومة هي حكومة \"سكافية\" لا تصلح للحكم وتنفيذ القوانين، ومجلس النواب \"شرحها\" يعني مثلها ، فهو حسب أحسن التقديرات لا يمثل إلا رأي الحكومة وبعض العشائريين الموالين ولاءً أعمى للحكومة وبالتالي سنرى في السنوات الأربع القادمة تطبيقاً حرفياً للمثل الشعبي \"التم المتعوس على خايب الرجاء\" ....
ربما تنجينا من أربع سنوات عجاف قادمة حكمة القصر بقراءة الشارع الأردني الغاضب ، حينئذ سينهي جلالة الملك الصراع كما عهدناه بضربة قاضية سياسياً وذلك بحل مجلس النواب مرة أخرى وهذا حقه الدستوري لمجلس غير شرعي –حينما تثبت عدم شرعيته للملك- ثم إقالة الحكومة ، لكن الذي نرجوه في هذه الحالة وهو ربما مطلب شرعي للشعب الأردني أن تتم محاكمة الحكومة على ما فعلت ، فأمننا الوطني وتعريض بلادنا للفتنة ليس أمراً سهلاً ولا نقبله ولن يقبله الملك، لذا نحن بانتظار تدخل القصر العادل للفصل في هذه المهزلة الحكومية الجديدة، وإعادة \"السكافية من حكومة ونواب\" إلى \"كارهم\" الحقيقي، مع اعتذاري لأصحاب هذه المهنة الحقيقيين إذ كل قطرة عرق منهم هي مسك ولا نسخر منهم أبداً.
صلاح المومني
info@libertytribune.net