لم يكن في البال انني من الممكن ان اعرج ذات مقال على منهجية قناة الجزيرة التي، كانت الى عهدها القريب النقلة \"المفصل!\" في الإعلام والخطاب والانفتاح العربي النوعي، افقيا وعموديا، لم يكن ذلك بالحسبان وكان هذا يحول دون الاطلاع على ربما مئات المقالات للأعزاء الكتّاب الذين ينتصرون لدولهم في مواجهة \"الجزيرة القناة لا قطر الدولة\"!
إلى أن جاءت بطولة العالم لكرة السلة، التي تبنتها إحدى قنوات الجزيرة الرياضية، لتتولى الرياضية نيابة على ما في النفوس \"السياسية \" منهج إعلامي ليس من العدل وصفه بأقل من عدم الإنصاف!
لم تكن قضية التشويش الأخيرة التي ردت عليها الأردن بمهنية عالية ولا قضية تخابر إعلامي أردني منذ نحو عقد، تفضلت حكومة الدوحة بسحب ملفها بالكامل، ولا ما اختلط بينهما من، فتح ملف الحرب الأهلية بالسبعينات وتصوير قادة ما سمي بأيلول الأسود على أنهم قادة التحرير الوطني الفلسطيني، لكنهم وبالاعتذار لنزار قباني: \"تركوا فسلطينا ليغتالوا غزالة\"، ولا ما جاء بعد ذلك وقبله وانتهى باتهام الانتخابات التشريعية الاردنية الأخيرة بالتزوير، ولا اعرف أي تزوير، كان سيكون وجلّ المرشحين صقور الدولة وحمائمها، أعيانها ووزرائها، شيوخها وعشائرها، والتزوير يكون لأجل إقصاء الآخر، ولم يكن ثمة آخر في الانتخابات، لم يكن كل هذا يعنيني بأي صيغة ورد، فكانت الجزيرة من \"الحرفية\" ما تجعل غيري يصدق، وكنت من الإدراك ما يجعلني أعي كيف تطبخ الأخبار في معامل النشرات!
***
باعتقادي الشخصي أن تغطية بطولة العالم لكرة السلة كانت هي رسالة واضحة من الجزيرة، إلى الأردن، كادت تقول اننا مضطرون أن لا نكون حياديين!
و\"ذلكم\" تفاصيل لعبة الخبر!
تأهلت الأردن بجدارة واستحقاق الى بطولة كأس العالم لكرة السلة، وعلى حساب لبنان، وبالفوز مرتين، وكانت هناك صولات تاريخية بكرة السلة بين ثلاثي غرب اسيا: الاردن ولبنان وسوريا، بأفضلية أردنية غالبا، وتأهلت من الدول العربية تونس ايضا وهي الأفضل عربيا في القارة السوداء، ولم تتأهل لبنان. المهم ان نظام الاتحاد الدولي لبطولة العالم يجيز لأربع دول محترفة بكرة السلة ان تتأهل بشراء مقعد لها في البطولة تلقاء مليون دولار يدفع لذلك، وهو ما دفع لبنان الى شراء مقعد لها فتأهلت بشراء حصة اضافية بعد ان كانت قد خسرت مقعدها لصالح الأردن في منازلة ندية قوية.
اشترت قناة الجزيرة الرياضية تغطية البطولة من الاتحاد الدولي تركيا الدولة المستضيفة، وانتدبت ممثلا للكرة اللبنانية والتونسية لتغطية البطولة فيما انتدبت، لاعب كرة سلة سوري ضليع في صراع تقليدي مع السلة الاردنية للتعليق نيابة عن الاردن، انتدبت انور عبدالحق، المعروف خلال عقدين من الزمن وفي ذروة صراع السلة العربي بين الاردن وسوريا، رغم وجود أندية اردنية محترفة ورياضيين أردنيين بارعين من الممكن ان يعلقوا كما هو العرف السائد عن البلد المشارك، كما كان يحدث في مباريات كاس العالم لكرة القدم عندما تنتدب الجزيرة نفسها معلقا مصريا وآخر جزائريا، وبينهما معلق تونسي محايد، لم يحصل هذا بالطبع مع الأردن، وكان السيناريو يتجه على نحو كوميدي غريب.
الاتحاد الدولي قسم المنتخبات العربية بنفس المستوى السادس الذي ضم: الاردن-تونس-لبنان- ساحل العاج، وكان التعليق الخاص بقناة الجزيرة وضمن أستوديو التحليل ينصب على أن الآمال معلقة على المنتخب اللبناني وان الأردن يشارك على سبيل المشاركة للذكرى فقط، يحدث هذا في كل التعليقات على المباريات بغياب أردنيين رغم ان الأردن تأهل مختطفا بطاقة التأهل بجدارة من لبنان التي اشترت مقعدها بعد ذلك، ورغم تساوي التصنيف الدولي للفريقين.
كانت قناة الجزيرة تغطي كافة مباريات لبنان على نحو رسمي وبمبعوثة اعلامية رياضية لبنانية من تركيا وبمعلق خاص لبناني داخل الأستوديو، وتتحدث بهامشية عن مشاركة الأردن، ونتيجة المباريات كانت خروج جميع العرب بنفس التصنيف الذي وضعه الاتحاد من الدور الأول، وقدم الأردن عرضا هو الأفضل كان بخسارة لحظية بنصف سلة مع فريق كاستراليا، وجاء الأردن بفارق سلبي اجمالي بلغ 85 نقطة فيما جاءت لبنان بفارق اجمالي سلبي 101 نقطة وتونس بفارق سلبي 107 نقطة محتلة الأردن الأفضل في مجموع الدول العربية المشاركة رغم فوز متأخر لم يغني شيئا للبنان على كندا.
في إجمالي تغطية قناة الجزيرة لم تكن التغطية بالرياضية ولا بالمهنية، هي كانت وجه واحد لصراع سياسي تمارسه قناة الجزيرة على الأردن، فلم يكن الأردن الذي تأهل لكأس العالم بالسلة بالطفرة على هذه اللعبة وهو يمتلك سجلا هو الأفضل عربيا، لكن مشاركة الأردن في بطولة دولية تحتكر تغطيتها العربية قناة الجزيرة هو الطفرة على هذا الكرة، وكان من الأردن الذي فتح الباب أمام أفق أبنائه ليتولوا، إدارة هذه القناة، ولم يكن للعزيز والزميل الطالب وضاح خنفر اي قيود تحول دون افقه وطموحه وهو يناظر قبل عشرين سنة وزير التعليم العالي الاردني على إذاعة عمّان باعتباره الممثل الشرعي والوحيد لطلبة الأردن.
***
عرفت السياسة الدولة البينغ بونغ منذ السبعينات، على انها نقيض السياسة في التقريب بين المعسكرين الصيني الاشتراكي والأميركي الرأسمالي، فيما تزداد الهوة التي تفرضها قناة الجزيرة بسياسة \"الباسكت بوول\" نيابة عن دولة قائمة بذاتها تعميق الانقسام بين أبناء الرحم الواحدة، في دولة أردنية تعتمد على مساحة ضيقة لتطوير ذاتها بالتنمية والعمالة الأردنية التي تحتضن قطر بعضها، وفي دولة قطرية محدودة السكان والمساحة تعتمد على دورها الإقليمي والنفطي، وصداقاتها التي تعتبر الأردن احدها، فلا اعرف ما الذي يجعل كل هذه المساحة الضيقة لأفق الدولتين مرهون برفس الجزيرة الذي لا ينتهي، في بيتين هذه مساحتهما!