ربما ليس من السهل إطلاقا الحديث عن الأردنيين (من أصل فلسطيني) فهو حديث يشوبه الحرج أو الشبهة أو السياسة أو عدم الوضوح على أقل الأحوال.
وبينما لم يكن هذا الحديث يطفو على السطح قبل السبعينات، إلا أنه أصبح الحديث السري العلني في هذه الأيام. وبينما يحاول الجميع الابتعاد عن الحديث فيه علناً، إلا أنه حديث رئيسي في السر. وهذا واضح جداً في الأحاديث عند تشكيل الوزارات أو عند إعادة تشكيل مجلس النواب (بالانتخاب طبعا !!) أو في مواضع كثيرة أخرى. فتبدأ الحسابات في وكالات الانباء من ناحية وبين الأوساط السياسية - ولكن بصوت منخفض- حول التمثيل الفلسطيني في التشكيل الجديد...
والموقف الرسمي في هذا الشأن معروف ومعلن، فليس هناك فلسطينيون في الأردن، فجميع المواطنين في المملكة الاردنية الهاشمية هم مواطنون أردنيون متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الأصول والمنابت. وهذا موقف متقدم جداً سياسياً وقانونياً وإنسانياً... ولكن العامة لا تقبل كالعادة بهذا الموقف الرسمي لأن لها مواقفها الخاصة والمتنوعة حسب أهوائها ومصالحها...
لا أزال أذكر حادثة حصلت معي في إحدى العواصم الأوروبية عندما سمعنا أحد الزائرين العرب ونحن نتحدث – وكنا أربعة أردنيين من مختلف الأصول والمنابت – سألنا: من أين انتم؟ فأجبنا: أننا أردنيون. وكانت هذه الحادثة بعد أيلول الأسود بحوالي ثلاث سنوات. ولأن أخينا العربي لا يفهم العلاقة الأردنية فقد نصحنا أن نجد حلاً لهؤلاء الفلسطينيين المزعجين للجميع وخاصة لكم أنتم الأردنيين ، ولم يكن يعلم أن إثنين من هؤلاء هم من أصول فلسطينية ، مما جعل زميلي يعرفه علينا ويوضح له أن إثنين منا من أردنيين من إصول فلسطينية والاثنين الاخرين فلسطينيين من أصول اردنية مما جعل المتطفل لا يدري بماذا يجيب وفر حرجا ... وربما كانت هي المرة الاولى ( ولسوء الحظ والواقع ) الأخيرة التي أسمع فيها تعبير فلسطيني من أصول أردنية ، ومع أن هذا واقع إلا أن الكثيرون ينكرونه لأنه ليس في مصلحتهم ، فالبعض يظن أن الأصول الفلسطينية ليست هي (الموضة) حاليا
عندما إجتمع البريطاني \"سايكس\" مع الفرنسي \"بيكو\" وبموافقة روسيا القيصرية ولمدة عام ونصف ( 1916 ) لصياغة هذه التفاهمات التي قسمت منطقة الهلال الخصيب وبلاد الشام إلى مناطق نفوذ إستعماري، لم يعرف الجميع تفاصيله السرية إلا بعد أن استولى الشيوعيون على الحكم في روسيا، فثارت ثائرة العرب على تقسيم دولهم الموحدة إلى مناطق نفوذ إستعماري وأقسموا أنهم سيبذلون دماءهم في سبيل الحفاظ على وحدة بلادهم. ولكن المضحك المبكي الآن أننا مستعدون للتضحية بدمائنا ( مرة أخرى ) ولكن هذه المرة من أجل المحافظة على هذا التقسيم الآستعماري لأوطاننا.. ونتهم من يدعي أن هذه الدول يجب أن تكون موحدة بالغباء وربما بالخيانة العظمى... وهكذا نرى كيف انقلبت القلوب من طرف إلى طرف آخر...
وليس بعيداً من كان يعتبر أن حدود فلسطين هي من النهر إلى البحر. ولكن – والحمد لله – إستطاعت إسرائيل أن تقنعنا أن هذا خطأ غير مقصود في الجغرافيا والتاريخ وأن الصحيح هو ما هو قائم حتى الآن لحينما تأتينا حقائق جديدة من بني صهيون....
ولم تكن العلاقة الأردنية الفلسطينية بعيدة عن هذا، فهي ليست سوى عشرات من السنوات عندما كانت السلط ونابلس تتبع لمـُـتصرِّف واحد. وكانت الخليل والكرك تتبع لقضاء واحد. وكانت القدس هي العاصمة الدولية لهذه المنطقة ، ولكن التاريخ الحديث يقول لنا كفانا أحلام يقظة، فما هذا إلا من قبيل الهلوسة التي لا داعي لها...
إن العلاقة الاردنية الفلسطينية هي علاقة في الأرض والعِرض والدم... وإذا كانت مصالح البعض من أي طرف كان تدفعه للتنصل من هذه العلاقة في الوقت الحالى لأنها غير متوافقة مع ما يراه مناسباً، فهذا لا يعني أن هذه العلاقة إلى زوال... فما يسمى بالأردن وفلسطين الآن ما هي سوى أرض كانت موجودة منذ خلق الله الارض ويقطنها بشر لم يشهدوا بينهم سوى التزاوج والحب والإخاء.. وهذا سيبقى إلى أن يأخذ الله الأرض وما عليها...
|د. معن سعيد