مسافر أنا .... احمل حقيبة فارغة لإكمال المشهد ، تودعني الأشجار التي تم اختطافها للخلف على عجل ، والباص رغم أصوات جعيره فلا زال متجذّر بالمكان لا يبرحه ، هارب أنا ليس أكثر ، تطاردني كل الوجوه التي نسجت أسباب ضياعي ، أقلّب الأشياء وأبدل الإبصار فتلحقني الوجوه إعصارا تصرخ في أذني (أين تذهب الآن وكل الأمكنة لنا عنوان ، أين تذهب الآن ونحن أسباب القرف المستوطن فيك يا إنسان) .
( سجّانوك نحن وفرسان سحلك بين الأحاجي بحثا عن جواب لهجراتك الأربع، نحن كل التهم التي يمكن أن تلصق بين عينيك، نحن القيود على معصميك، نحن...) وتبقى الكلمات تخرج من شفاه تطاردني وكل الأرض تسحب من تحتي وأنا مازلت مكاني أهرب ولا أهرب …. فكل الأحداث مازالت سوداء والوجوه مازالت تحاصرني ورائحة الزعتر لا تبارح أنفاسي .
كلمات غريبة بلهجات كثيرة وأشكال مضحكة وملابس أوسع من كل المرحلة ….والوجوه ما زالت كالحة والباص ما زال في نفس المكان ، وأنا ما زلت محاصرا بقيودي ولا زالت عيني لا تجرؤ النظر على من يلبس ظلي ويخط كل ما يصدر مني وكل مالا يصدر عني .
قديما في بلادي كان الصمت ممنوعا... بل كان حتى الصمت مسموعا .
الأرض تطرح حنطة ؟
بل كانت تنبت بين الحنطة الياسمين.
هل كان الغفير فاجر؟
في القديم كان يؤم الصلاة فينا حين يتمارض الإمام ..
والآن لست ادري ....فدمعاته تختلط مع عرق قبضته على صدغي .
لا ادري فما زلنا لا نكرهه ولكن نقرفه ، هي كما هي ..... نحبه ونقرف خوفه معا .....
هجراتي الأربع كانت محاولات اغتيال.... فمن نكبة لنكسة لإجتياح لغربة ...... كلها كانت رحلات بين شفرات المقصلة ، وجنوني وحصاري وجموح كياني ليس أكثر من أحبال للمشنقة ، فكل الطرق مفتوحة تؤدي إلى روما إلا طريق موطني بوجهي قد أقفل ، وأصبح فيما أصبح طريقا لقافلات الاسمنت والعبيد .
لم يعد يسعني كل الكون مادام بيتي قد لوثوه بالشمعدان ، وما دام ديفيد يمتطي حصاني وغفيرنا يشد له اللثام ...فحتى لو نفيت للمريخ فما زلت أرى بحر يافا وصدغي يؤلمني من قبضة الغفير وما زالت نفسي تحدثني بالجنون وبالجنون .
جرير خلف