كيف يكون صاحب المعاناة مبدعا؟ وهل من الممكن أصلاً أن يكون في صفوف المبدعين ؟ وكيف له أن يصل بالنفس التي تحمل في أكنافها معاناة إلى مرحلة الإبداع ؟ وهل تلتقي المعاناة والإبداع في نفس واحدة وفي وقت واحد ؟ وغير هذا الكم من الأسئلة تكتشف انه انهال عليك مرة واحدة عندما تجد شخصا كله معاناة وفي اللحظة ذاتها مبدع في مجال ما .
نتعامل مع الكثيرين في حياتنا اليومية فمنهم من لا يحمل في باطن نفسه أي نوع من المعاناة لكنه ليس بالمبدع ولا يفكر حتى بماهية الإبداع ولا الوصول إلى لحظات النشوة الإبداعية ،على العكس من أولئك الذين تفيض أنفسهم بسيول من الآلام والمعاناة لكنهم حولوا معاناتهم إلى جسر يعبرون من خلاله إلى الإبداع ، حيث أن الفرق يكمن في أن الوصول إلى النجاح والإبداع يكون من خلال طريق خاص تصنعه أنت لنفسك ، وان أول طريق النجاح في الحياة هو نجاحك في إدارة ذاتك والتعامل معها بفعالية لأنها هي التي تقودك إلى مرادك فيصل صاحب المعاناة إلى الإبداع لأنه أحسن الإدارة والتعامل مع الذات .
الثقة بالنفس وإيمان الإنسان بأهدافه وقراراته وقدراته وإمكاناته بمعنى أن يؤمن الإنسان بذاته حق الإيمان وانه قادر على تخطي ما يدعى معاناة هو الخيط الثاني الذي يجب التمسك به للوصول إلى صفوف المبدعين ، إن اتقنا ذلك ستندرج أسماؤنا في قوائم المبدعين وسنشعر بالفخر أننا حققنا ما نريد وانتصرنا على ما نعانيه من هموم أو متاعب حياتية .
أطراف الموضوع هم شخص يحمل المعاناة ويبدع وآخر لا يعاني ولا يبدع ،أتقن الأول إدارة حياته وعرف القيمة الحقيقية للشخص المبدع بعد أن ذاق ويل المعاناة في حين أن الثاني يغرق في معاناة لا يدرك كنهها انه ليس لديه القدرة على الإبداع أو خلق الجديد ، وإذا نظرت حولك ستجد مثل هذه النماذج وتتعرف عليها بمجرد دقائق قليلة من الكلام معهم .
الطرف الآخر في المعادلة هم الذين يعتقدون أنهم في صفوف المبدعين ويهللون ويكبرون محاولين لفت الأنظار إليهم ليقنعوا العالم بإبداعاتهم ، وإذا ما التفت إليهم وإلى إبداعهم وجدته كما الطبل شكل وصوت ورنين من الخارج وصلب وجوف وقلب فارغ لا قيمة له ، لأنه يخلو من الإرادة والعزيمة ولم ينبع من إحساس ذاتي أو إيمان بهدف ما ، انه الإبداع لمجرد القول ان فلان مبدع متميز ، هذا هو الفرق بين المبدع الذي يصدر إبداعه من رحم المعاناة وبين من يبدع للجلوس في صالونات المبدعين ، هنيئا لكم أيها المبدعون الخارجون فوق كل أشكال المعاناة ، الرافضون الاندثار والعيش تحت أقدام الألم ...
\"ومن لم يعانقه شوق الحياة تبخر في جوها واندثر \"( الشابي)