زاد الاردن الاخباري -
تسعى حركة "حماس" إلى مد جسور التقارب مع حليفها الاستراتيجي الإيراني "القديم"، للانتقال، بعدها، إلى خطوة إعادة مسار العلاقة مجدداً مع النظام السوري، عبر وساطة "حزب الله" اللبناني، وذلك في ظل متغيرات المنطقة التي كبدت الحركة أكلافاً سياسية وازنة.
وقد مهدت الحركة لتلك "الاستدارة" صوب المحور التقليدي "الشيعي"، عقب غياب منهك، من خلال تعزيز وتيرة التواصل مع طهران في الفترة الأخيرة، عبر "حزب الله"، وصولاً إلى زيارة وفد "حمساوي" رفيع المستوى، برئاسة نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري، إلى إيران.
ولم يستبعد مسؤولون أن تشهد الفترة المقبلة تنامي علاقة "حماس" مع إيران، التي كانت حتى وقت قريب قبيل الأزمة السورية أكبر داعميها ومزوديها بالمال والسلاح والتدريب، بما يؤشر لاستقبال المزيد من وفود الحركة.
بيد أن الحركة بحاجة للموازنة بين ساحات التغيير، في ظل ألأزمة الخليجية الراهنة، والثقل الإيراني بالمنطقة الذي طالما شكل محور قلق الجوار، وإزاء مساعي "حماس" ترميم علاقتها المتوترة مع مصر.
فمن جانبه، قال القيادي السابق في حركة "حماس"، عماد الفالوجي، إن "زيارة وفد "حماس" إلى طهران، واجتماعه بمسؤولين إيرانيين كبار، يعد تتويجاً لتحركات عودة العلاقة، وإعلاناً لبداية مرحلة جديدة فيها، وتطوراً معتبراً ستكون له تداعياته بالمنطقة".
وأضاف الفالوجي، لـ"الغد" من فلسطين المحتلة، إن علاقة "حماس" مع إيران ستشكل عاملاً أساسياً لتحسين علاقتها مع سورية"، مفيداً بأن الحركة مدت يدها لإعادة العلاقة مع النظام السوري، غير أن ألأخير لم يتخذ قراره بعد، لشعوره بالخذلان منها، ولكن التقارب مع إيران سيسهم في إعادة تصحيح العلاقة معه".
ونوه إلى متغير وازن ساعد "حماس" على التقدم باتجاه إيران، التي خفضت بدورها سقف شروطها، غداة الاستجابة لوساطة "حزب الله" بالفصل بين مساري العلاقة بين إيران وسورية، فيما لعبت الحركة بذكاء، عبر تحسين علاقتها مع الحزب اللبناني، الذي توسط لدى طهران لاسترداد العلاقة مجدداً".
ويزيد من ذلك، وفق الفالوجي، وهو الوزير الفلسطيني السابق، مفاعيل التطورات الميدانية الأخيرة في الساحة السورية لصالح الاستقرار وإنهاء الأزمة، في ظل تقدم الجيش السوري وحسم المعركة لمصلحته، ودفع الأطراف الإقليمية لإعادة النظر في مواقفها من الأزمة السورية.
وقال إن "حماس" لن تدخل في "الكوتات" الإقليمية، وإنما ستلعب بحذر في الساحة السياسية نحو محاولة استرداد وضعها الإقليمي والدولي، عبر دراسة البدائل عند سقوط التحالفات، ونسج العلاقات المتوازنة، قياساً بمد الجسور مع إيران، وتالياً مع سورية، والتأكيد على العلاقة الجيدة مع السعودية، ومساعي إنهاء الخلافات والتوتر مع مصر قبيل التوجه نحو طهران.
وقدر بأن "يسهم ذلك في تحسين صورة "حماس"، إزاء خطوات تنفيذ اتفاق المصالحة، الذي جرى توقيعه مؤخراً في القاهرة، من حيث تشكيل حكومة وحدة وطنية، التي ستكون الحركة جزءاً منها، وستدخل ضمن الشرعية الفلسطينية".
وأفاد الفالوجي بأن العلاقة بين الطرفين قد مرت بظروف متغيرة ما بين المد والجزر، ولكنها، غالباً، تدور في نطاق تبادل المصالح؛ حيث ترى إيران في "حماس" ورقة قوية بالمنطقة، ومؤثرة على الحركات الإسلامية الأخرى.
واعتبر أن ذلك الأمر "يجعل طهران، في إطار سياستها الإقليمية، بحاجة لأن تكون تلك الأوراق معها لتعزيز قوة حضورها باعتبارها لاعباً سياسياً وازناً بالمنطقة، في ظل ضبابية المشهد العلائقي مع الإدارة الأمريكية، وما يلوح في الأفق من حلول إقليمية في العراق وسورية، حيث تريد إيران أن تكون لاعباً أساسياً فيها.
أما "حماس" فإنها بحاجة لتوسيع نطاق علاقاتها الإقليمية والدولية، لاسيما دولة قوية بحجم إيران، فضلاً عن إلتقاء الطرفين في خانة السياسة المعادية للكيان الإسرائيلي، والدعم الإيراني، المتفرد، للمقاومة العسكرية، بخاصة "كتائب شهداء القسام" (الذراع العسكري للحركة)، وهو الأمر الذي تحتاجه حماس، إزاء معركتها الشرسة مع الاحتلال الذي يستهدف ضرب البنية التحتية للمقاومة.
ونوه إلى "حدوث التوتر في العلاقة الثنائية عقب الأزمة السورية، العام 2011، حينما رفضت "حماس" الانحياز إلى جانب دون الآخر، بما تسبب في غضب النظام السوري، وصولاً إلى تفاقم الخلاف، مع حليفها الاستراتيجي، غداة مغادرتها الساحة السورية".
وقد أدى ذلك، بحسب الفالوجي، وهو رئيس مركز آدم لحوار الحضارات في فلسطين المحتلة، إلى "ضعف العلاقة مع إيران، دونما انقطاع، في ظل مساعي الحركة للفصل في علاقتها بين كل من إيران وسورية، غير أن طهران كانت تريد الربط بين المسارين".
"ترميم" العلاقة مع مصر
حرصت حماس على "ترميم" علاقتها المتوترة مع مصر، عبر بوابة تأكيد "قطع" الصلة التنظيمية مع الإخوان المسلمين، في ظل تباين "حمساوي" حول كيفية التعاطي مع طبيعة العلاقة الثنائية، بين قيادة الخارج التي تنظر إليها بوصفها رافعة قوية لإتمام المصالحة، وتحسين مساحات التحرك لدعم الشعب الفلسطيني، فيما تضع قيادة الداخل فتح معبر رفح، وإعادة إعمار غزة وتحسين ظروفه المعيشية في المقدمة.
وقد استلزم حماس الكثير من الجهد والوقت لبلوغ المرحلة التي استضافت فيها مصر، مؤخراً، لقاءات ثنائية، للبحث في تحسين العلاقة بين الطرفين، ومن ثم تفاهمات "حماس" والقيادي المفصول عن حركة "فتح"، النائب محمد دحلان، وصولاً إلى اتفاق المصالحة الأخير.
فيما جاءت الوثيقة الرسمية "لحماس"، التي أعلنتها في أيار (مايو) الماضي بالدوحة، لتعبر عن القراءة الواقعية للمعطيات وتوازنات القوى الدولية، عبر غلبة اللغة السياسية البراغماتية على الخطاب الأيديولوجي، بدون المس بثوابت البنية الصلبة.
بيد أن المعادلة لا تستقيم على وتيرة واحدة في جُل ساحات التغيير؛ إزاء الأزمة الخليجية الراهنة، ومحاذير قيام قطر بتخفيض أو إيقاف الدعم المالي عند تغير الحسابات، حيث إن أبوابها لن تُفتح كليًا إلا إذا ارتدت الحركة ثوبًا سياسيًا، وطرحت موقفًا جديدًا يتلاءم مع التطورات التي تشهدها المنطقة.
بينما لم تتحسن علاقة "حماس" بالسعودية كثيراً لدرجة تضمن الاستعاضة عن المعونة الإيرانية، عدا شكوك حول حلول تركيا مكانها، رغم الآمال المعلقة على ذلك، بينما تكمن الخشية من مساعي إدخال الحركة في مرحلة التسوية القادمة، التي لا تتناسب مع الحد الأدنى لحقوق الشعب الفلسطيني.
وكان المسؤول والمطلع عن قرب على سير عمل لجنة المفاوضات المصرية- الفلسطينية، الدكتور طارق فهمي، قال لصحيفة "الغد" الأردنية، أن "مصر تتفهم توجه "حماس" إلى إيران، كرد مضاد للشروط الإسرائيلية الأخيرة لاستئناف المفاوضات"، وبالتالي "لن تفرض أية محددات أو قيود على ذلك، كما لن يؤثر على اتفاق المصالحة ولا العلاقة مع مصر".
الغد