قراءة «أردنية» قلقة لتطورات المشهدين اللبناني والسعودي وتوقع تصعيد عسكري معقد
قراءة «أردنية» قلقة لتطورات المشهدين اللبناني والسعودي وتوقع تصعيد عسكري معقد
زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين: لا يبدو الأردن سياسيًا ودبلوماسيًا مهتمًا بالاستجابة لاقتراحات الرئيس اللبناني ميشيل عون بشأن إجراء وساطة مع السعودية. لكن عمّان مهتمة جدًا بقراءة تداعيات المشهد السعودي الداخلي المفتوح على الاحتمالات كلها‘ في الوقت الذي بقيت فيه العلاقة مع العهد الجديد في السعودية بقيادة الأمير محمد بن سلمان مستقرة وثابتة، وإن كانت تفتقد للحماس ويعتريها البرود.
موقف عمّان من مسار الأحداث رسميًا في السعودية تموضع في تجنب إطلاق أي إشارة أو تعليق ومن أي نوع وبصورة تعكس الحياد المطلق والسعي لعدم التدخل على اعتبار أن المسألة تخص الشأن السعودي الداخلي، وأن الأردن ليس أصلاً في سياق التأثير أو حتى الرغبة في التأثير لا بحكم العلاقات المتينة والجوار ولا بحكم رئاسته للقمة العربية.
لذلك استمعت عمّان وعبر الملك عبد الله الثاني للرئيس اللبناني، لكن حكومتها اتخذت قراراً استراتيجياً بمراقبة الأحداث فقط، وهو الموقف نفسه الذي اتخذ أصلا منذ تسعة أشهر عندما اندلعت أزمة حصار دولة قطر. في اجتماعات داخلية عميقة، تسجل المرجعيات الأردنية أن الخلافات المؤسفة داخل المعسكر الخليجي برمته معقدة جدًا، ومن النوع الذي ينبغي عدم التدخل فيه، وعلى أساس أن المُتَدَخِّل أو الوسيط في البيت الخليجي سيتأثر سلبًا ولن يُعالج مشكلة.
تلك كانت دومًا استراتيجية الأردن مع البقاء على مسافة أمان تتجنب إزعاج الحكم السعودي الجديد، تجنبًا لكلفة أي تدخل أو ملحوظة، وقد ظهر ذلك قبل قمة البحر الميت العربية، وعلى هامشها عندما اقترحت شخصيات برلمانية عربية من بينها جاسم الصقر وعمرو موسى تدخل الأردن للوساطة والاصلاح في دول الخليج. بكل حال عادت عمّان في اليومين الأخيرين إلى فلسفتها في الحياد المطلق.
ولكن مع المراقبة الحثيثة والتفصيلية لكل ما يجري خصوصًا أن بعض المشروعات المتفق عليها داخل الأردن من الواضح أنها ستتأثر سلبًا بما يسمى في الرياض اليوم بالحملة على الفساد، حيث كان أحد المتضررين وألمعهم هو رجل الأعمال السعودي البارز الشيخ صالح كامل صديقًا للاستثمار في الأردن وتعهد بالإسهام في تمويل مشروعات انتاجية قبل القبض عليه بطبيعة الحال.
الأردن برغم ذلك لا توجد لديه معلومات مفصلة حول نهايات المواجهة الحالية بين أجنحة الحكم داخل العائلة الحاكمة في الأسرة السعودية، لكنه معني دومًا بدعم استقرار السعودية ومنطقة الخليج العربي، معتبرًا أن مصالحه الأساسية تتطلب دومًا هذا الاستقرار. من هنا حرصت عمًان وسط تكهنات المشهد السعودي الداخلي على توجيه رسالتين مقصودتين، فقد تقدم الملك عبد الله الثاني بتعزية رسمية للملك سلمان بن عبد العزيز بوفاة الأمير الشاب منصور بن مقرن في حادث الطائرة المروحية.
الرسالة الثانية كانت سياسية فقد استنكر الأردن بحزم إطلاق الحوثيين صاروخاً باليستياً على مطار الرياض، وهي رسالة تؤشر على أن عمّان تتخذ موقفاً ضد الحوثيين برغم رفضها المشاركة في قوات التحالف التي تشتبك مع الحدث اليمني. وفي الاعتبار السياسي تستعد المؤسسة الأردنية على الأرجح لأسوأ الاحتمالات، وهي تقرأ بعناية وعمق ومن دون إعلان أو إعلام تطورات المشهد الداخلي في لبنان والسعودية والخليج العربي.
هنا ثمة قراءة محددة يلمسها المراقب المصغي لنخبة من السياسيين والمسؤولين الأردنيين، تحت عنوان توقع اشتعال الإقليم مجدداً بحرب يمكن أن تبدأ من دون معرفة كيفية وقفها أو انتهائها خصوصًا أن عمّان تقرأ التصعيد السعودي الأخير باعتباره تمهيداً لضوء أخضر يعمل على برنامج خاص لإخراج حزب الله اللبناني من معادلة الإقليم، الأمر الذي تطلب برأي الوسط السياسي الأردني سحب ورقة حكومة الائتلاف عبر استقالة رئيس وزراء لبنان سعد الحريري. وتلاحظ الدوائر الأردنية هنا أن الحريري نفسه سحب من المعادلة بعدما تعامل مع مسؤولين إيرانيين كبار، وهو ما لم يتم الافصاح عنه بالتفاصيل.
لكن بالتقدير الأردني العميق قد تسعى إسرائيل لاستغلال الهجمة السعودية على حزب الله لشن عمليات عسكرية جنوب لبنان مجددًا وهو أمر يُعتقد أنه تطلب تحييد الجبهة الجنوبية في قطاع غزة بملف المصالحة الشهير بين السلطة وحركة فتح والمقاومة الإسلامية بحركة حماس.
ثمة تقارير داخلية أردنية ترجح تصعيداً عسكرياً في المنطقة لإعادة التموضع وتحديد ملامح وهُوية الاصطفاف والتمحور الإقليمي والجزء الداخلي من المشهد السعودي يصبح في هذه الحالة قرينة تستعد لسيناريو التصعيد.
ما يتحفظ عليه الأردنيون هو الشعور بأن التصعيد العسكري إقليمياً قيد الولادة، لكن لا توجد آفاق لنهايات محددة، خصوصًا في ظل تشابك الأجندات والتعقيدات الجيوسياسية وغياب رؤية متفق عليها إزاء قضايا المنطقة الملحة بين الدول الكبيرة التي تلعب في المسرح وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا.
ويمكن اعتبار السيناريو الأخير تمثيلاً للحلقة الأكثر رعبًا بالنسبة للدوائر الأردنية لأن الأردن في حالة التصعيد العسكري الإقليمي سيكون هذه المرة وسط المعمعة وحالة الصدام. ولأن مجريات التصعيد العسكري ستفتح جبهات غير متوقعة قد يكون من بينها هضبة الجولان وملف الجنوب السوري، الأمر الذي يؤثر بعمق في الأمن الحدودي الأردني شمالًا مع سوريا وشرقًا مع العراق.«القدس العربي»