بين أخبار هذه الساعة وحينما كنت أقلب الصحف الإلكترونية، وقعت عيني على خبر اقتراب عودة شيخنا وعالمنا الجليل فضيلة الدكتور الشيخ نوح سلمان القضاة من النمسا حيث أجريت له عملية جراحية في العمود الفقري... فقلت لعلها فرصة للترحاب أسبق الآخرين بها ، وذا شرف لي ولكل عجلون حينما ننزل شيوخنا منازلهم، وحينما نرحب بهم مبتهجين بعودتهم إلينا سالمين ...
ربما كان اللقاء الشخصي اليتيم بفضيلة شيخنا يوم تقدمت بطلب عمل في إفتاء القوات المسلحة ، \"بقية الجيش المصطفوي\"، حيث قام فضيلته بالإشراف على امتحان مرشحي ضباط الإفتاء ، وذلك حرصاً منه على مهنية هذا الجهاز الذي يعد الروح في كتائب جيشنا وفرقه. كان شيخنا الفاضل قد استقبلنا في مكتبه بعد أداء امتحان شاق وسهل في آن واحد ، مشقته أن الذي يقيّم إجابتنا هو شيخ بمقام فضيلة المفتي وعلمه، وسهولته أنه يعلم أننا مازلنا طلاب علم فلا يضيرنا الخطأ، بل هو وسيلة الشيخ ، لا لتوبيخنا إنما ليقدم لنا ما نقص من علم في صورة من تواضع العلماء قل نظيرها....
تقدمنا للامتحان، ثم جمعنا ليحاضر بنا ، تحدث بنفس تملؤها الثقة، أوجز الشيخ كلماته ، لكنها بمكنونها كانت كالبحر بصدفه ومحاره وخيراته ، علا شيخنا بحديثه، لكنه علو السحابة كي تمطر القفر من الأرض لتحييها ، دنا دنو الأب ينصح أبناءه ، فلا يضجرون ولا تنفر نفوسهم ، ثم ودعنا بابتسامته التي ارتسمت على محياه ثقة وبهاءً وتواضعاً ...
كان شيخنا بلقائه ذاك درساً لا أنساه ولن أنساه ، لم تكن الغلظة في ذلك الدرس ما يذكرني به، لكن اللطف واللين الذي استمده من قدوته وقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن التكبر والعلو، إنما التواضع والحنوّ، ولم يكن شيخنا يبحث في حديثه من طلبته المرشحين إلا الوسطية التي لا غلو فيها ولا تفريط... شيخ استحق ويظل يستحق منّا كل تبجيل إذ لا خير فينا إن لم نوفّه ذلك الحق.
ثم هو الشيخ الذي أدار جهاز الإفتاء خارج درعنا العسكري المحمدي الهاشمي، أداره بحنكة القياديين، وفن الإداريين، وحرص العاملين الذين إئتمنهم ولي الأمر على شؤون العباد، فكانت له سابقة نتمنى أن يحذو حذوه فيها كل مسؤول، وذلك حينما أعاد مبلغ 1.2 مليون دينار إلى خزينة الدولة ، لم يبذرها ولم يخفها ، بل قدمها لتسد حاجة أخرى....
ايه يا يوسف هذا الزمان ...!!! أما كان بإمكانك أن تخفيها، أن تنفقها على مواكبك الشخصية، أو خدماً وحشماً ليزيد الجاه ويرى منك سلطانك ؟! لكن أنى ليوسف وقد قالها \"إني حفيظ عليم\" ، حفيظ بحرصه على قوت الشعب، أمين على مصالحه ... أجل ، يوسف لم يتكرر في زماننا لكن ها هو يظهر في شخص شيخنا الفاضل ... إنه \"حفيظ عليم\"... لا نزكيه على الله ... بل الله يزكيه سبحانه بما علم فيه ، وبما وضع فيه من نبل وأمانة وشرف.
شيخنا ... أجل هو شيخنا، فهو الذي نتعلم منه ومن مواقفه حتى وإن تباعدت المسافات ، وهذه كرامة من الله يهديها لأهل العلم والتقى والصلاح، ألم يقل لا لخزعبلات \"سيداو\" ؟! لم يبررها ، لم يقدمها بصورة مجمّلة ، ولم يجامل بها مسؤولاً ، بل دفع ثمنها حينما أبعدته الحكومة عن مسؤولياته ولا أقول منصبه، كان يرى رضى الله فوق رضى الأمم المتحدة ومقررات \"سيداو\"، بينما رأت الحكومة حينذاك رضى \"سيداو\" ورضى هيئات الفساد العالمية أولى بها ...
حسبك يا شيخنا أنك اصطُفيت لتصطفي، اصطُفيت من بين أقرانك لتقول الحق، فما زاغ بصرك ولا ضل قلبك، وظلّت أنفاسك معلقة بالقدوة نبينا صلى الله عليه وسلم، فاصطَفيت محبته ، ثم ها أنت ... ها أنت تزداد رفعة ومكانة وتكريماً ... فلم يرق لملك البلاد أبداً أن تألم روح \"عجلون\" وروح أردننا ، فكانت منزلتك بمنزلة يوسف، وكنت حظوته من بين كل أقرانك ، لعمري ... إنه \"من تواضع لله رفعه\"، ثم \"من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله، ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس\" ، فما وكلك الله للناس ... بل كفاك الله ... وحسبك الله ... حسبك الله ... حسبك الله...
أجل يا شيخنا ... نرحب بك بين أهلك وإخوانك، ونشكر لملكنا وقفته النبيلة وهو يقدم للأردن أغلى هدية بالاعتناء بشيخ الأردن وابن عجلون، وليس هذا غريباً على أبناء هاشم، امتدت عباءتهم،اتسعت وظللت الوطن وأهله .... فلا حرم الله أردننا من خير هو منزله ، استأمن عليه من هم أهل له ....
عودة ميمونة يا شيخنا البار ، عودة تفرحنا ، وتخضوضر لها جبال عجلون وسهول إربد ، وتشرق بها شمس أردننا، وكيف لا ، وعلماؤنا قد رفعهم الله منزلة فباتوا الأحب إلى عباده ... نحبك في الله ، ونحبك لأنك روح تسري في وطننا بكلمة الخير وبالعلم النيّر والأمانة، ونحبك لأنك أستاذنا وشيخنا ... لعمري هو حب من الله ... سرى في ملئه الأعلى ثم انساب محبة في قلوب العباد... اللهم أطل في عمر شيخنا وشافه من آلامه ومتعنا برؤيته إذ رؤية الصالحين متعة الأنظار ، وأجعله خيراً مما نقول فيه واجعلنا أهلا للوفاء له ...
تزيني عجلون لمقدم شيخنا وشيخك ... وتهللي يا جبال ، فما يزيدك شرفاً إلا موضع أقدام الصالحين ... وهاهو شيخنا يهم بالعودة بإذن الله ...
info@libertytribune.net