لبيان و تأكيد مسألة تباين شخصياتنا، و بالتالي الآراء التي نحملها و نعبر عنها في مواقف معينة، فإننا بحاجة الى تفسير ذلك مع جلب الحُجة و البرهان الملموس ، وهذا يقودنا الى الغور، قليلا في هذه العجالة، في أعماق النفس البشرية المعقدة التركيب . سبحان المعبود.
أوزع في دورات سلوك المستهلك، علم نفس التسويق، بضع قصاصات من الورق الأبيض على الحضور، و أطلب منهم إبداء الرأي عن طريق إجابة خمسة أسئلة متعلقة بخيارهم الأول فيما يتعلق: باللحوم، بالشراب، بالألوان، بالمعادن الثمينة و بماركات الأجهزة الكهربائية شريطة التركيز، الجدية و عدم التحيز تجاه موضوع الأسئلة.
ثم أستعرض الإجابات و التي ترد متباينة وفق ما هو متوقع منها، و أعزز النتيجة تلك بإستعراض نتيجة تجربة أخرى قد أجريت في نفس مجال إثبات حقيقة تباين الشخصيات و الآراء، و مفادها أن إجابات من طُلب منهم إبداء الرأي في كوب الشاي الذي تناولوه بكلمة واحدة لم تكن جميعها متطابقة، بل متباينة و بصورة غريبة، حيث كتب المستجيبون كلمات مثل: ساخن، بارد، مُر، حلو، ممتاز، عادي، غامق، فاتح، قليل، كثير، متقن، سيئ، مفيد، مضر، معطُر .... الخ. ذاك التباين يعطي دلالة مهمة، من بين الدلائل العديدة التي يعطيها، و هي أن أذواق الناس، مثل أرائهم، متباينة كذلك، و كفاءة حواسهم التي تدرك ليست متساوية.
تُرى من هو الشخص الذي يمثل الرأي الصائب أو الأقرب الى الصواب في مسألة، ظاهرة أو أمر ما ؟، و هل تكفي كلمة أو عبارة أو فقرة أو أكثر لتمثيل الرأي أو التعبير عنه؟ و ما هي العوامل التي تؤثر في تباين و تماثل أو تطابق الآراء في ظل تباين الشخصيات تباينا خلقيا، و تباين قدرات حواسهم الإدراكية، و تباين كمية و نوع مدخلاتهم ؟
من المعلوم أن الرأي ينتج في العادة عن تفاعل الشخص بأي شكل من الأشكال مع الحدث أو الظاهرة أو الموضوع و يبرزعلى شكل تعبير، و هو يمثل إعتقاده، إتجاهه أو ميله الذي يسيطر عليه إزاء أمر ما. بعبارة أخرى هو منحى عقلي بُني على تراكم خبرات و ظروف سابقة، فينحو العقل نحو التأييد أو الحياد أو المعارضة أو حتى اللامبالاة.
الرأي قد يكون مثقفا، أو مسيطرا، أو منقادا بسبب تدني مستوى الثقافة أو حتى الأميّـــة ، أو متقلبا، أو متحيزا وبدون عدالة، أو مؤيدا، أو معارضا أو لامباليا.
في الوقت الذي تؤرقنا فيه قضايا مثل الفقر و البطالة و تفاقم عجز الموازنة ما أحوجنا الى إجراء عملية فرز لإختيار آراء يتصف أصحابها بأن شخصياتهم شفافة، أمينة، مهتمة، واعية ، ناضجة، مثقفة، حكيمة، ميدانية و مخلصة.