زاد الاردن الاخباري -
كتبت د . نجود المجالي - خاص - أوَّل من نوَّهَ لوصمة العار, قبل ألف وأربعمائة سنة, هو سيِّدُ الْخَلـق, مُعلِّمنا الأوَّل, النَّبِـيّ صَلَّـى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تُؤْذُوا عِبَاد اللَّه وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتهمْ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَة أَخِيهِ الْمُسْلِم طَلَبَ اللَّه عَوْرَته حَتَّى يَفْضَحهُ فِي بَيْته ",,,,,,, ثم تلاهُ بعد آلاف السنين, في الستينيات والسبعينيات, علماء الغرب الذين لهم منا كل الاحترام والتقدير, كروَّاد لنظرية الوصم, أمثال (شور, بروس, وجازفيلد, وتانبوم, وليمرت, وبيكر) فقد قدموا لنا تعريفا لوصمة العار,
بأن رد الفعل الاجتماعي الذي يصم الفرد بوصمة العار Stigma كالمجرم أو المنحرف, ستجعل الفرد يتصرَّف وفقا لذلك, حيث تقود وصمة العار التي يوصم بها الفرد من قِبَل مؤسسات التنشئة الاجتماعية, كالأسرة أو الْمدرسة أو الأصدقاء. والمجتمع ككل, إلى تهديد مفهوم الذات لديه, وعدم الشعور بالاحترام, لأن الوصم يُغيِّر من نظرة الشخص لنفسه, ويمكن أن يقوم الشخص الذي تم وصمه بتشرُّب الدور, فيؤدي إلى ما يسمى بـ (الوصم الذاتـي ), وبالتالي يؤدي إلى قبوله وتغيير مفهومه لذاته أو (لنفسه ). حيث يجلب الوصم انتباه الناس, والمؤسسات الرسمية بسبب عملية المراقبة الاجتماعية, مما يؤدي إلى الشُّعور بالرَّفضِ الاجتماعي, وهذا يعني أن الوصم هو احد أسباب الجريمة أو الانحراف, موثَّق في
(Wright, Gronfein & Owens, 2000)& Schur, 1971; Bruce et al, 1989)).
نَسْتدلّ من خلال الحديث النبوي الشريف, من ثم تعريفات العلماء, دَلَالَة وَحُجَّة قَاطِعَة وَحِكْمَة بَالِغَة, أن وصمة العـار أحد الأسباب التي تصنع مجرمين, (ونَحْنُ الْجُناة), واحد أسباب تكرارا الجرائم, وتحديدا (بعض) المجرمين المكررين للجريمة ), ونعجب بقرارة أنفسنا من كثرة الجرائم في مجتمعاتنا, ونبدأ بالتَّغنِّي بالعوامل الاقتصادية, والنفسية, والسياسية, والاجتماعية, متناسين أهم عامل اجتماعي (وصمة العار),,,,,, وحَريٌّ بنا هُنـا أن نتساءل "لماذا
؟!" "لماذا نحنُ الجُناة ؟!, لماذا نحنُ أحد أسباب الجرائم؟؟!!, ,,,,ببساطة لأننا وصمناهم وعيَّرناهم بها؟! لأننا أصحاب قلوب قاسية لا تغفر الذنب, وربُّ العزة خالقُ الخلق, يغفرُ الذَّنب ويَقبلُ التوبة ؟ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا(النساء, 110) لماذا أيضا ؟! لأننا نصَّبنا من أنفسنا قاضٍ جائــر لا يرحم ؟! (من لا يَرحم لا يُرحم)
ولأننا لم نحتويهم, ولم نحتضنهم وندلهم طريق الصواب, وابتعدنا عن العفو والصفح ("انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"),,,,,,, ولأننا نُعيِّـرهم في كل مكان, و ننقل أنباء أفعالهم, وحَكايا قصصهم للأجيال القادمة , يا " ألله على هذه القسوة " ألهذا الحد؟! عَجَبا لأمرنا ؟! "(إِنَّ أَبْعَدَ النَّاس مِنْ اللَّه الْقَلْب الْقَاسِي) "ونتناقـل القصة حرفيَّـا, بما فيها علامات الترقيم, وترتيب, وزحزحة بعض الفقرات؟! لتتناسب مع هـَول الخاتمة التي نريد, مع إضافة بعض من البُهارات أيضا, أخالها الحارَّة كثيرا, أليس كذلك يا إخوة؟!
ثم يأتي الطفل البريء, الذي يتيه بجنبات الطَّريق وهو يلهو, يتداول قصة فلان وخطيئة فلانة, وعقوبة فلان أب فلان, وجريمة ابن فلان أخ فلان .....,الخ , من ثم يبدأ الطفل بالمعايرة لأقرانـه الأطفال, وهو لا يعي ما يقول؟
ولماذا أيضا ؟! لأننا حريصون على تخزين الأفعال السيئة للشخص, ولكننا لسنا حريصين, على تخزين الأفعال الحسنة له, فسرعان ما تُنسى, وتطفو على أسطح ذاكرتنا الأفعال السيئة فحسب, ونَحْرص اشدَّ الحرص على تخزينها بالذاكرة طويلة المدى, والذاكرة قصيرة المدى, لتبقى في حالة جاهزية للاستدعاء في أي وقتٍ للتَّغنِّي بها.
سمعنا في الآونة الأخيرة, أن رجلا ستينيا, بعد إنهاء مدة عقوبة 15 عاما وخروجهِ من السجن, "انتــَحَر" ؟! لماذا يا إخوة؟؟ لأنَّهُ لم يستطع التأقلم والتكيُّف مع ظلم المجتمع, الذي لا يرحم, فالوصم والمُعايرة, تُلاحِقهُ في كلِّ مكان ؟ حتى يلقى حتفه فِي حِنْدِس الظَّلْمَاء, ويُمزّق شَمْله, ويلعنهُ أهلهُ وصحبهُ,
ألَسْنا نحنُ الجُناة على هذا الرجل؟! بما تقدمه ألسنتنا من وصم, انا لا اختلف بأن الانتحار حرام, وأن الرجل ضَعُف إيمانهُ بالله, ولكن اسأل أين دورنا نحن في احتواء هذا الرجل المُسِنّ ؟!؟ وكثيرا ما نسمع عن رجل ارتكب جريمة سرقة أراد أن يتوب, لكنه لم يستمر بذلك, سرعان ما عاد لتكرار الجريمة ؟!لماذا ؟؟ لأننا نقول ؟! لا تزوجوا السارق؟! لا تقتربوا من السارق؟! ابتعدوا عنه....الخ ؟! .............ألَسْنا الجُناة هنا ! استوقفتني أيضا إجابة أحد الأحداث الجانحين المكررين للمرة الرابعة جريمة السرقة ؟!عندما سُئل ألم تُحاول الإقلاع عن السرقة واللجوء لله والتوبة, أجاب كما ورد حرفيا على لسانه ؟ يا مس كل ما اطلع من السجن وأقول بدي أتوب ما بنادوني في الحارة غير السراق راح السراق اجا, مش راضيين يصدقوا إني بدي أتوب, ومش راضيين يبطلوا يعايروني بالحارة هيك , بس خلص سراق سراق, بدي اظلني سراق طول عمري مش هيك بدهم ؟؟!! وكثيرا ما نسمع بفتاة اقترفت الفاحشة, خرجت من السجن تريد التوبة وتعيش حياة كريمة, ولكنها سرعان ما تعود لتكرار فعلتها والانغماس في عالم البغاء تائهة, ألَسْنا نحنُ الجُناة هنا, ما أن تخرج إلا ونقول ؟! هذه باغية فعلت كذا وكذا, لا تتحدثوا معها ستُسيء لسمعتكم, ابتعدوا عنها العنوها, إنها سيئة ؟ إنها فاقدة للأخلاق ؟ وهكذا ثم تلوذ للاعتكاف على نفسها, نتيجة نبذ المجتمع لها, وبالتالي عدم قدرتها على التكيف والتأقلم مع المجتمع, فهي لم تجد من يحتويها, ويساهم في تزويدها بما يثريها من قيم وأخلاق, واحتضان دافئ لها من المجتمع, ولكن الإنسان ضعيف سرعان ما يعود للانغماس بأفعاله, قائلا لم يرحمني الناس, لم يغفروا لي , أين سأذهب؟ لا احد يقبل توبتي ؟ لذا تعود للوكر الذي أتت منه؟! لأنَّه من وجهة نظرها ارحم من المجتمع, لماذا ؟! لأنها وجدت بذلك الوكر (الْقَبُول ) الذي افتقرت لهُ في مجتمع الصلاح والعفة. وكثيرا ما نسمع بأن احد أفراد عائلة من العائلات, اقترف جُرم معين, ولكننا نضطهد العائلة بأكملها ونقوم بالوصم الجماعي للعائلة, ونبدأ ((بفُنـــون المُعايـــرة)) تارة بنظرات الازدراء والتحقير, وتارة قصة حديث مجالس, وتارةً بالهمز واللمز, وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (الهمزة,1) وتارة عناوين في المقالات عبر الوكالات الإخبارية, حتى أن بعض العائلات تلوذ بالفرار من الظلم والاضطهاد, والنبذ ممن حولها, وتلجأ للهجرة من المكان الذي عاشت وترعرعت فيه, أو تبقى في مكانها منكوسة الرأس مذلولة, يضيق مجلسها في كل مكان, فتلجأ للعزلة والوحدة والكبت وكُره المجتمع بأسره, وربِّ العزة يقول بكتابه العزيز, وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى,....... وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا(النساء ,111). قبل أن أُنهــي ألا ترون معي أيضا بأن (الضحايا) لم تسلم أيضا من وصمة العار التي تلاحقهم رغم أنهم لم يقترفوا ذنبا, أو جرما, وذنبهم الوحيد, هو أنهم ضحايا فقط , فلانة تعرَّضت للاغتصاب في يوم كذا وتاريخ كذا , فلان تعرَّض لهتك العرض, فلان (فاقد للرجولة) تم قتــل والده, ولم يأخذ بالثأر(وهل أصبح الأخذ بالثأر رمز للرجولة في مجتمعنا , ومدعاة للمُعايرة, وانتقاص من قيمته ؟!,,,,, اتسائل ما ذنبهم لنتناقل قصصهم عبر عشرات السنوات, كالختم المطبوع على الجسد,..؟؟! نحتاج يا إخوة وقفة مع أنفسنا قليلا, لردعها وتوبيخها وتأنيبها وقمعها, وإعادة هيكلة تفكيرنا, والجزم على التخلي, عن العديد من الممارسات الخاطئة التي نمارسها بحق إخوتنا, ويا ليتنا قبل أن نقوم بمعايرة أي شخص, نضع أنفسنا مكانه أو مكان العائلات التي لها ابتلاءات, ونتقمص مشاعر الألم والقهر والظلم, التي يستشعرون بها جرَّاء تعييرهم بفعلتهم ؟ ؟ !