هل يكون حسين هزاع المجالي رئيس الوزراء القادم؟
التغيير سنة الحياة، والتجديد مقرون به لا محالة، ونحن في الاردن نعظّم هذه السنّة اكثر من غيرنا، فنحن شعب يعشق التغيير والتبديل، وتمتاز ذاكرته بالمرونة حد الليونة، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمناصب السياسية، لا سيما التنفيذية منها، وقد اقترب موسم التغيير كما يتحدث سكان الطوابق العليا في عمان، وكما يشي واقع الحال ايضاً، فحكومة "هاني الملقي" التي تشبه "طبيخ الشحادين"، ما كان عمرها ليطول لولا ان وفّر لها "القصر" الغطاء السياسي في عديد المناسبات، كما ان شخصية الرجل وتاريخه السياسي المتواضع، لا يستوعبان اكثر من تحمل أعباء قرارات غير شعبوية في فترة تكاد ان تكون الاصعب على الاطلاق.
يقال في "عمان" ان صانع القرار قد نشر كنانته، ثم عجم عيدانها، فوجد معالي حسين المجالي أمرّها عوداً وأصلبها مكسراً، في المرحلة القادمة على أقل تقدير، فالشقّة قد بعدت بين المواطن وبين الدولة بمفهومها الشامل، في ظل غياب احزاب وبرامج سياسية ناجعة، يضاف اليها فشل السياسات المتراكم داخلياً وخارجياً، أدت تلك العوامل مجتمعة الى ان لجأ كل مواطن الى "عشيرته الاقربين"، مؤمناً بها وبإفرازاتها مهما كانت، في سبيل الحفاظ على لحمتها، فهي بالنسبة له –أي المواطن- تشكل وحدة اجتماعية واقتصادية وسياسية متكاملة، وهنا نجد معالي الباشا قد دأب في الآونة الاخيرة على تقديم نفسه مدافعاً عن العشائر الاردنية من شتى الاصول والمنابت، والمتحدث الرسمي باسمها في بعض الاحيان.
لست بصدد الهجوم على شخص معاليه، فهو ابن "هزاع" الذي نجل ونحترم، وهو ابن عشيرة انجبت فحولاً رفدوا الوطن بالكفاءات في جميع المجالات، وهو شخصية عسكرية وأمنية لا يشق لها غبار، الا ان للسياسة أهلها وفنّها، ولها تبعاتها أيضاً، وهنا بالتحديد كان الخطاً الذي وقع فيه الباشا عند انتقاله من ميدان العسكرية الى ميدان السياسة، فإقالته او استقالته من حكومة "النسور" التي كان يشغل فيها منصب "وزير الداخلية" كان سببها المباشر هو تقصير إدارة المنظومة الامنية وضعف التنسيق فيما بينها، وهنا يبرز الفرق بين مفهوم القائد العسكري والقائد السياسي، فالوزير مهمته التخطيط والتنسيق من الناحية السياسية وليس الفنية، اما الميدان وظروفه فهو متروك للقائد الميداني، وهذا ما اختلط على معاليه حين تحول الأمر من إلقاء القبض على مطلوب للجهات الامنية الى ما يشبه الحرب المفتوحة.
على صعيد آخر، لا يستطيع المتابع للشأن العام أن يقدم مقاربة لدولة تسعى ان تسخر مكوناتها ومقدراتها من اجل الوصول الى "الدولة المدنية" بمفهومها العصري، يفكر فيها صانع القرار الاستعانة بشخصية ذات خلفية عسكرية-أمنية لتنفيذ هذا المشروع الضخم الذي ما زال يراوح مكانه على الورق، فالتناقض هنا اكبر من ان يتم استيعابه، والشيء بالشيء يذكر، فقد تم الاستعانة بخدمات الباشا عندما تم تعيينه سفيراً للمملكة في مملكة البحرين، وقد عهد له إعادة الدفء للعلاقات الاردنية-الخليجية في بداية فتورها من خلال بوابة "البحرين"، الا ان الباشا اكتفى حينذاك بتكوين علاقات ودية وطيبة مع الاشقاء هناك على المستوى الشخصي.
لسنا بحاجة الى تغيير الشخوص، بل نحن بحاجة الى تغيير السياسيات، وإعادة انتاج القيادات السياسية الفذة التي تستطيع ان تنهض بالاردن، وتشكل حكومات تأخذ على عاتقها إعادة الهيبة للمواطن والوطن في آن معاً، واتمنى ان يتسع صدر الباشا لهذا النقد، وأن ما ذكرت لا ينفي احترامي وتقديري لشخصه الكريم، الا ان الظروف التي يمر بها الاردن لم تترك مزيداً من الوقت او الفرص للمحاباة والتجريب وتطييب الخواطر.