أنا معتاد على أن ألمح يوميا أبو صابر وانا في طريق العودة الى المنزل ،
جالسا على عتبة منزله يراقب الرايح والجاي حينا ، بينما يخط بعصاه على
التراب خطوطا لا يمكن فهمها وتحليلها أبدا في حين آخر .
بينما تبتسم جنباته ومحياه عندما يلمحني قادما ، قينقض علي كانقضاض الأسد
على فريسته ، ويصر علي بالجلوس بجانبه لأقرأ له من تردد هناك من اخبار من
خلال الجريدة التي أحملها عادة تحت ابطي .
وبصراحة ، كثيرا ما كنت أتسلل من امامه لأتلاشاه وأجنب نفسي الوقوع في ارهاق فوق ارهاقي .
ولكن هناك أمر بدا غريبا علي ، اذ ان هذا اليوم هو اليوم الرابع الذي لم
ألمح فيه أبو صابر جالسا على تلك العتبة ، ليتربص بي ، وعلى الرغم من اني
كنت سعيدا طوال تلك الأيام لعدم وجوده الا انني قلقت عليه كثيرا جراء
غيابه غير المعهود ، فقررت ان أذهب لأطمئن عن حاله وأستعلم عن احواله .
طرقت باب المنزل ، وأنشغلت بتفحص بقايا الخطوط التي رسمها علي التراب لكن
دون جدوى في معرفة كنهها ، فقطع علي من فتح الباب تركيزي بتلك الخطوط
التجريدية .
أنا : مرحبا يا صابر ، خير .. شو وين الوالد ، فقدناه من كم يوم .. عسى ما شر
صابر : والله يا جار الوالد في الفراش تعبان .
فقلت له : خير شو ماله ، شو اللي صارله ؟
صابر : والله ما حنا عارفين ، الدكتور بقول لازم نوديه على العصفورية .
أنا : يكفينا شرك ، شو القصة ؟
صابر : والله ما حدا عارف ، كان ما شاء الله عليه لكن من كم يوم اختلف
وصار يهلوس والظاهر انه انجن . على كل حال تفضل ... تفضل يا جار شوف بعينك
.
دخلت على غرفة ، فوجدت أبو صابر ، مشخص في الفانيلا يتامل في السقف ،
بينما يحرك يديه ورأسه بحركات هستيرية ، يضحك احيانا ، بينما يبكي احيان
اخرى ، أحيانا يتكلم بلغة عربية فصحى واحيانا باللهجة البدوية ، بعض
كلماته كانت باللهجة المصرية .
فقلت في عقلي : الحافظ الله هذا شكله شرت ، سلامتك وتعيش .
اقتربت منه على مضض ، وقلت له : اسم الله عليك يا ابو صابر شو اللي صارلك ، اكيد ضربوك بالعين .
رد علي : ضربوني بالعين ؟! لا وانت الصادق جننوني وطلعوني عن طوري ؟
قلت له : من هم ؟؟؟
أبو صابر : جماعتك .
أنا : وشو دخلهم ؟؟
أبو صابر : يا زلمة قالولنا في زيادة رواتب وتخفيض اسعار ورفاهية وكيفية ، وطلع ما في من هالحكي حكي ، وقلنا معلش .
وقالولنا فش ضرائب وفش رسوم وفش اخرى ، وحلقولنا ، وقلنا معلش .
وقالولنا فش فساد ولا محسوبية ولا بطيخ ، وطوطولنا ، وقلنا معلش .
أما يقولوا ماعندنا بطالة ، وماعندنا فقر ، أي والله كبيرة عاد .
المحامي خلدون محمد الرواشدة
khaldon00f@yahoo.com