بقلم : هشام إبراهيم الأخرس
بلا بحر يا عمّان وعطشى يا سيدة العواصم و المدن الكبيرة , ولا يعرف عمّان جيداً الا من وقف على أبواب السفارات هارباً منها وباحثاً عن الدولارات في كلفورنيا او شيكاغو حيث لا عشائر تتبرع بالدم هناك ولا رفيق يقرضك وقت حاجة ولا أصدقاء , عمّان يغضب منها سائق تكسي في أزمة سير و يصالحها في المساء , لا شيء اخضراً في عمّان سوى القلب الذي التصق بأخر شجيرات أزالها صاحب البستان كي يبني عمارة و يؤمن مستقبل أطفاله و يبخل على عمّان , و عمّان لا تنام و عند هدوء شرقها يتراقص غربها و تزدحم الأماكن وتمل شوارعها من فوضى المركبات التي تتكاثر كما الذباب وتأخذ حصة من الأرصفة المتعبة .
عمّان لا تأبه بعواصم تحاول أن تغيظها و تقف لتفاخر الدنيا بمسرح الرومان و شعباً يحملها على الأكتاف و مغترب يبكيها و يبكي سهرة على طرف شارع و يبكي طعم الفلافل و المناسف و يبكي على مشاجرة فاتت و لم يحضرها مع الأصحاب وكان قد حلها رئيس المخفر بالميانة , و عمّان تتوسد الروح مثل عشق اليافعين و عمّان سر جمالها بفوضى اللون المزركش مثل حبل غسيل لعائلة مستورة , و عمّان هي عمّان التي تملكنا كما نحن نملكها و توزع العدل بين الجوامع و الكنائس و وحدها تملك سر التمسك بالأرض و تلفظ بائعيها الغرباء .
عمّان بشرى الفقراء الطيبون و ذكرى الأغنياء و قصة إصرار يصنعها عامل وطن على شوارع مليئة بأعقاب السجائر و أكواب القهوة التي تباع كما العصائر على جنبات الطرق , وعمّان تمحو تعب الجسد بفرح الروح و تغطي مريضها بأهدابها و فيها ارتباط الناس بالناس منذ أن ذوبت حرارة الحب برودة الأجواء و تصاهر النابلسي مع الشيشاني و العبادي مع الشركسي ومنذ ان حضنت عشائر البلقاء الأسى في عيون ضفاوية .
عمّان وهذا السواد ليس تلوث ولا انبعاث العوادم أنه شالها الأسود والذي يخفي جمالها عن الأقمار التي تتجسس على الحب و التمدن و تكنولوجيا التفاهم على توزيع الأرزاق .
عمّان انبهار السياح الأجانب الذين يحملون كاميراتهم لتصوير جمالها و يمشون سيراً على الأقدام في شارع طلال للبحث عن أشياء تحكي عن تراثنا و مكتوب على طرفها صنع في الصين , وعلى عملات قديمة صكها الشباب في القرن العشرين و تعتقت بالغش و الطمع .
عمّان وحكاية لرب أسرة مل من ضوضائها و ساق نفسه لرحلة استجمام بعيدة فلم تصبر الروح على بعدها وعاد متأثراً و القلب يعتصر ألما من فراقها .
عمّان تحكي قصص لأطفال يبيعون ألباله في أسواقها و طفلة تمسح الحزن عن زجاج سيارة فارهة على أشارة عبدون و امرأة تحمل رضيعها و تتلقط رزقه من دكاكين عتيقة في شارع طلال .
عمّان هي فوضى الأفراح و حفلات التخرج و سهرات النجاح و بيت فرح أقامه شاب على طريق عام وعمّان صباح الإذاعات و الشكاوى التي تنتشر عبر الأثير في فضائات جرح ، و عمّان زنبقة بيضاء على رصيف فيلا في عبدون يحرسها إثنان من الحرس خوفا عليها من الأغنام التي ما زالت تسرح قرب السفارة الأمريكية برغم التمدن و الحضارة و عمّان بسطات للخضار على جنبات الطرق و بائعة للبيض على طريق المطار ، تبيعه منذ عقدين و نيف و عمّان أسرار الليل في قلب فتاة تنهي عملها قبل الفجر لتلحق بركب المصلين جماعة ، و كانت تغني أغاني الشوق قبل قراءة القرآن و عمّان باصات ما ملت تنقل الركاب و تخالف القانون في وضح النهار و ( كنترول ) يضع في أذنيه السماعات و لا يسمع صراخ راكب أراد النزول و راكب شيخ كبير يتأفف من هول المنكرات و رائحة السوابق في جسده .
و عمّان طلاب جامعة يافعين قد دخلو للتو كلياتهم و أطلق عليهم من سبقوهم ( سنافر ) ، دخلوا و بأيديهم قلم و مسطرة و قنوة و لهم حكايات حب و مشاجرات على إثبات الرجولة و النسب .
عمّان شتاءاً ، سيول تجري في الشوارع و إعلان طوارئ و عمال أمانة كبار في السن و يتعكزون على مجارفهم و إنقطاع كهرباء و أزمة على المخابز و محطات الوقود و مناهل للصرف الصحي تصرف مكنوناتها على شوارعها و سيلها المختبئ في أحشائها .
عمّان ربيعاً ، عشبة تشق بلاط الرصيف و رحلات لطريق المطار و رائحة جميلة تسرح بالأفق و ختيار سبعيني يقول :
( الحمد لله عمّان إنغسلت )
عمّان صيفاً ، أزمة سير ، أزمة مشاجرات ، أزمة مرونة و حياة تسير على عجل و سيارات لشرطة النجدة تحرس مدارس البنات من عبث الطلاب الهاربين من على أسوار المدارس , ومغتربين يكتظون في أزقتها و يشترون كل أشيائها الجميلة لتحرسهم في غربتهم عنها .
عمّان سيدة العواصم و المدن الكبيرة تستقبل الضيوف من بواباتها و فتحرس الزرقاء شرقها و تحرس السلط غربها و تحرس جرش شمالها و يتكفل البدو الطيبون في جنوبها حيث المطار و مخيم بعيد يحكي قصة انتظار .
عمّان شمس العواصم و درة المدن الكبيرة و عمّان على أطلالها غنت فيروز و كتب حيدر أشعار عشق و جمال وعمّان تعشق ذاتها و تطلق عنانها بأهات عشق و زغرودة على لسان امرأة في الأربعين و بحة في صوت أمام مسجد كبير كان قد صلى في الناس على صوت السماعات .
عمّان و فتاة تدرس الكيمياء و تعمل منذ الصباح في مطعم لبيع الوجبات السريعة وتحدثت عنها جاراتها غيبة ونميمة و شاب بيده ألة حاسبة و يحسب تكاليف زواجه و يلعن الحظ و الوقت ( الف ذهب , الف غرفة نوم , خمسمائة لطقم الكنب , الف كسوة , الف صالة , غسالة ثلاجة تلفزيون غاز ) و يصرخ في أمه الحنون ( لماذا خلفتموني ) .
عمّان لها شوق في قلوب الغائبين و عمّان لوحة سريالية يصعب حلها و لغز في فم بدوي من الطراز القديم و عمّان عمرها الف عام و أمانتها أحتفلت بمئوية فقط , أنهم يريدونها عروس و هي تعتقت في الشيب منذ سبيل الحوريات و جرار الماء على أطراف السيل و فيلادلفيا و أهل الكهف و مربع لخطوط التجارة بين الشام و العالم .
عمّان تحرسنا و على أكتافها تعب السنين و تعطي كل مواطنيها الحصانة
عمّان تسمعنّا
عمّان تجمعنّا
عمّان تصنعنّا
عمّان توزعنّا كل صباح
عمّان ترافقنّا حيث أتجهنّا
و تمسح عن جباهنا حبات العرق
وتنشر في أفقنا الألق
و عمّان تستودعنّا الله دائماً وتحن بأكفها علينّا
فنكتب في مدارسنا و على كراستنا
عمّان أم المكارم
عمّان سيدة العواصم
عمّان سيدة العواصم و المدن الكبيرة