في الحديث عن انتخاباتنا البرلمانية الأخيرة التي أجريت بتاريخ 9/11وما سبقها وما رافقها وما نتج عنها من توابع ارتدادية طابعها العنف مازلنا نشهدها ونعيش مرارتها إلى الآن رغم مرور ما يقارب الأسبوعين على ظهور نتائجها , يدعونا للتساؤل عن السبب المباشر أو الكامن وراء هذا العنف المجتمعي المتصاعد منذ عده سنين ,والذي أصبح ينذر بالخطر على مستقبل وطننا الغالي وأجيالنا القادمة , وربما تكون الأسباب كثيرة ومتشابكة ومعقدة تحتاج إلى رجال متخصصين في علوم الدين والنفس والاجتماع والاقتصاد والسياسة والأمن وبعض العقلاء في المجتمع , للقيام بدراستها ووضع الحلول الناجعة في سبيل القضاء عليها, وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي من حيث نعمه الأمن والأمان والهدوء والطمأنينة والاستقرار, التي يحسدنا عليها الكثيرون .
ولكن ألا ترون معي انه لا بد وان تكون هنالك علاقة ما بين حالات العنف المتصاعدة في مجتمعنا الأردني , وبين التعديلات التي طرأت على قانون الانتخاب , والتي كان أولها تعديل الصوت الواحد الذي اقر منذ العام 1993م,(والذي كان هدفه الحقيقي الحد من نفوذ قوى سياسية أردنية معروفه , كانت قد حصدت مقاعد كثيرة في انتخابات برلمان عام1989م الشهير),فهذا التعديل كان قد تعرض في حينه وما زال إلى انتقادات واسعة من مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي الأردني ، بحيث اعتبر تراجعا عن العملية الديمقراطية الناشئة برمتها , و قيل عنه آنذاك بأنه يشجع ويرسخ الولاءات العشائرية والعائلية والطائفية والإقليمية، على حساب الخيارات السياسية الوطنية , وفي الحقيقة فقد أثبتت الوقائع والتجارب فيما بعد صحة هذه المخاوف والتوقعات .
ولست ادري لماذا لم يدر في خلد الذين اقترحوا هذا التعديل واقترفوه وعملوا على إقراره وتطبيقه سوى تحقيق هدف سياسي معين آني , وغاب عن ذهنهم أبعاده وتداعياته وارتداداته الاجتماعية والأمنية المستقبلية على المجتمع برمته , لقد كانوا قصار النظر لا يرون ابعد من أرنبة أنوفهم من خلال تذاكيهم في اجتهادهم هذا , الذي يدعون فيه غيرتهم وحرصهم على الوطن وأمنه وسلامته , لقد صدق فيهم المثل القائل ( عدو عاقل خير من صديق جاهل) .
ولا يفهم لماذا يتم الإصرار على إبقاء هذا القانون الظالم من قبل الحكومات المتعاقبة , بل تم زيادة الطين بله , بإضافة الدائرة الفرعية ( الوهمية ) في أخر تعديل عليه , والتي لم نفهم لغاية الآن ماهي الأسباب والمبررات الداعية لها أيضا , مادام انه لم يطبق على منطقه جغرافية واحدة (كلية انتخابية ) كما في بريطانيا مثلا , بحيث أصبح الترشح حسب هذا التعديل الأخير بالدوائر الوهمية ضمن الدائرة الانتخابية الواحدة ,أشبة (بلعبة يانصيب ), غير مضمونة النتائج , حيث وجد أكثر من مرشح في مختلف الدوائر الوهمية أنفسهم خارج تشكيلة البرلمان رغم حصولهم على أصوات مرتفعه جدا تفوق ما حصل عليه نظراءهم من الناجحين في منطقتهم , مثلا ( البلقاء / الدائرة الأولى.... التي لو عوملت النتائج فيها حسب القانون قبل تعديله إلى دوائر وهمية...لتغيرت بالتأكيد بعض أسماء الناجحين )..
ولذلك وتخفيفا من حدة الاحتقانات و التوابع الارتدادية التي أفرزتها هذه الدوائر الوهمية أو (اليانصيب الانتخابي البرلماني), خاصة بعد ظهور النتائج , ودرءا للكثير من الشبهات التي شابت الانتخابات بشكل عام, والتي أدت إلى تعميق الخلافات بالمجتمع وتطوير العنف و ازدياده ,( التي أعطت فرصه تدريب حقيقية على الشغب والتمرد) لم تكن في حسبان من شرع هذا القانون ومن عدله , لقصر نظره كما قلت سابقا , اقترح أن تقوم الحكومة بدراسة ومناقشة كافه الظروف والوقائع والاختلالات التي صاحبت هذه الانتخابات وتداعياتها, دراسة عاقلة , بكل جدية وصدق وإحساس عال بالمسؤولية الوطنية , والخروج بتوصيات من ضمنها , إعادة دراسة هذا القانون برمته دراسة وافيه ومستفيضة , عادلة تراعي مصالح الوطن العليا حاضرا ومستقبلا, يشارك في ذلك كافه أطياف المجتمع الأردني , وان يكون القضاء وليس الداخلية هو الذي يشرف على الانتخابات (كدولة البحرين مثلا ), وإعطاء هذا القانون المعدل صفة الاستعجال في المناقشة أمام البرلمان الحالي , لإقراره , كما اقترح تعيين بعض الضحايا من المرشحين المغبونين من غير الناجحين , في مجلس الأعيان المنتظر, لأنهم يمثلون طيفا واسعا من المواطنين الأردنيين الطيبين...فما هو المانع من ذلك ؟؟؟, داعيا إلى عدم التعامل بالعنف المفرط مع المحتجين لأن العنف لا يولد إلا عنفا مضادا , وعدم التشكيك والتخوين و المزايدة عليهم في ولاءهم ووطنيتهم, كما فعلت بعض وسائل الإعلام المحلية , والتعامل معهم كأفراد ...بالأسرة الأردنية الكبيرة..., المتحابة المتسامحة , لكي تعود ثقة المواطن الأردني بحكومته وبنظامه الانتخابي برمته .
متمنيا من الله سبحانه وتعالى أن يقي هذا الوطن الغالي من كل مكروه وان يديم علية عزه وأمنه واستقلاله وان يبقي رايته خفاقة مرفوعة عاليا في ظل حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى ....آمين......
طلب عبد الجليل الجالودي
talabj@yahoo.com