صدق القول أن الحر قادر أن ينع ما يعجز عنه التابع ولا يبلغه حتى بالحلم.
الدبلوماسية العربية انتصرت وأن كان القرار الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة غير ملزم إلا أنه انتصار يسجل و أن كان للإطراف العربية الرسمية حضور متفاوت بين الحراك الدولي و الاكتفاء بالانصهار العام في طيات القرار.
الفكرة في الفهم العام أن القدس محتلة أصلاً ومحاصرة لمدن الضفة بجدار فصل عنصري و كيانات عسكرية بشكل مستوطنات تشل حركة الفلسطيني اليومية، ومع كل هذا صمد الإنسان مواجهاً كل أنواع الظلم و التنكيل.
مع التأكيد العام أن الكيان الإسرائيلي بالحد الأدنى يراعي الشكل القانوني للاعتقال و القتل، و هذا لا يلغي فكرة أنه كيان عنصري مصحوب بفكرة التفوق العرقي.
الضجيج القائم و الحراك الرسمي و الشعبي أختصر القضية من مدن محتلة عام 1948 إلى فقط مدينة القدس وتوافق المجتمع الدولي عربياً و إسلاميا و علمانياً على فكرة محددة دولتين في حدود جغرافية فلسطين مما أعطى إسرائيل شرعية الوجود دون ذكر للمدن التي تم احتلالها عام 1948 و دون ذكر لحق العودة.
الفلسطيني أخذ حجماً من الاهتمام لم يحصل علية أي مجتمع على مر التاريخ وسبعون عام من الدعم على حساب تنمية بعض الكيانات السياسية العربية و فقط أفضت إلى "اسلوا – مدريد" ، بل تم أيضا إبعاد القضايا العربية الأخرى و التي تحتاج إلى الدعم و الاهتمام و زاد بالأمر أن القضية الفلسطينية أساسا من خلال المناضلين و الأنصار زرعت بذرة الاختلاف في الشارع العربي عندما تملكت الأنانية النضالية صفوف عدد كبير من الفلسطينيين باعتبار تحالفاتهم الأساس في الحراك الشعبي و الرسمي ، فصارت "إيران" جزء من المشروع الفلسطيني و الذي فرض على أجندة حركة التحرر العربي ، رغم أن الكيان الفارسي يمتلك ذات النظرية في التفوق العرقي و يستخدم ذات الوسائل بحق الأحوازيين من خلال زرع المستوطنات ممزقاً المدن الأحوازية، ناهيك عن القتل المنظم للأحوازيين وعشرات الألف من المعتقلين و المعتقلات ، والمفارقة المضحكة أن أبشع ألسجون في الكيان الفارسي يسمى سجن " القدس"
و تسلل الكيان الفارسي إلى اليمن ولبنان و البحرين و العراق و سوريا وبعض الدول الإفريقية و حالياً على أبواب الجزائر، وكل هذا يقع ويحدث و العرب رسمياً وشعبياً تشاهد، في أيام القدس و الحراك الشعبي و الرسمي ، مجزرة للكيان الفارسي في الأحواز في قرى الجليزي و مذبحة أخرى في اليمن و مذبحة في سوريا ، ولم ينتفض أو يعترض أحد بل مرر الأمر باسم الحلف و التحالف.
القدس مدينة كمدينة المحمرة و حلب و الموصل، والمسجد الأقصى حمايته واجب ولكن دماء الأبرياء أحق بالحماية والدفاع، مدينة القدس بكل هذا الضجيج ليست أغلى من غزة المحاصرة و التي تموت بصمت.
وبالحقيقة وجب القول أن الحراك الرسمي العربي هو من أعطى مساحة للحراك الشعبي، ولولا التوجه الرسمي ما كان هناك حراك شعبي بهذا الزخم.
إسرائيل لا تختلف عن إيران فكلاهما يقتل و الفارسي أكثر فتكاً و أكثر قمعاً وتنكيلاً بغياب أي معيار قانوني أو حقوقي، فالفلسطيني بالحق الأدنى يحصل على محامي وسجن معروف و لا عقوبة للإعدام وبعد الحكم يستطيع أن يكمل دراسته الجامعية إذا ما شاء.
و الأحوازي يسجن لعشر سنوات بدون محاكمة ، ويعدم وينكل به و لا يعرف أهله مكان اعتقاله ، كلا الكيانين يمارسون الاضطهاد بكل إشكاله بحق الإنسان إلا أن إسرائيل لم تتمدد في المنطقة و لم تسعى للتوسع، وإيران تسعى و تعمل للتوسع على حساب الجغرافيا العربية.
من لا يقف بوجه إيران كما وقف ضد عنصرية إسرائيل بلا شك هو متناقض و يرى الأمور من منطلق الأسهل و الأسرع متأثراً بإعلام ودعاية عمرها سبعون عام.
الكيان الفارسي يستحق حراكاً دبلوماسياً و ضجيج شعبي لوقف الانتهاكات الخطيرة بحق العرب في كل مناطق توسع الفارسي ، يحتاج منا أكثر بكثير من نظرة غضب لا يفهم القصد منها.
صار من الملزم اليوم إعادة فهم خارطة التحالفات ، ولم يعد هناك قضية مركزية شاملة فكل كيان عربي هو قضية مركزية فلا يجوز باسم الدفاع عن فلسطين أن تبقى الأحواز تحت احتلال عنصري ولا يجوز أن يقدم العراقي و السوري و اليمني أجسادهم للغول الفارسي من أجل فلسطين.
القضية المركزية نسبية ، والتحالفات لا تفرض بأنانية من طرف واحد.
ومن باب تبيان الحقيقة أن طهران لم تشكل و زناً مهماً في الحراك الدبلوماسي الدولي بل أخذت جانب الصياح دون أن تتقدم بخطوة جادة بهذا الخصوص، وحاولت الاستفادة من الموقف للمفاوضة على موقف مع أمريكا من خلال عدم تحركها دولياً ، مع أن حضورها في مؤتمر "اردوغان" كان على مستوى الرئاسة.
المتحالفين مع الكيان الفارسي و المدافعين عن عنها لم يدركوا و لن يدركوا مدى حماقتهم ، فالأمة بوحدتها النضالية لن تكون ذات تأثير بدون العراق الوطني وبدون مصر و التي تتلاعب إيران بها من خلال دعم وإسناد المجموعات الإرهابية في سيناء، لن تكون الأمة قادرة على الحراك التحرري بدون سوريا ولن تستطيع تحقيق أهدافها بالتحرير بدون دولة الأحواز و التي تنهب ثروتها من النفط و الماء و الغاز وتستخدمها إيران لتمويل حروبها ضد الشعب العربي.
الواجب و الفهم يحتم علينا إعادة تقيم التحالفات و الأولويات، وخاصة أن الحراك الدبلوماسي أثبت أن القوة الأمريكية تتراجع سياسياً في سيطرتها و أن ظهور القوى الإقليمية كدول و تحالفات هو البديل حالياً.
و ستكون إيران في ظل وضع عربي متقهقر سياسياً و اجتماعياً قوة إقليمية تنافس في توسيع سيطرتها ، فضرورة دعم قيام تحالفات عربية تشكل قوة إقليمية وخاصة بغياب وجود كيان عربي سياسي قادر أن ينافس منفرداً ليكون قوة إقليمية.
أمريكا ستكون ملزمة بتغيير إستراتجيتها اتجاه العالم ، وعقلية صانع الحرب المتنمر لا تكون إلا بداية خراب قوة السيطرة ، وفي حال لم تغير من برنامجها ومخططها سيكون الفراغ ملازماً لوجود قوة دفاع عربية تحقق الرخاء في جغرافية الكيانات السياسية.
إيران الخطر الأكبر و العدو الأول و الأحواز هو القضية المركزية.