للأسف, وبعد أن انتهت الانتخابات النيابية بدأت بعض المظاهر السلبية التي رافقت الاستعدادات والحملات الدعائية لبعض المترشحين على مدى الخمسة شهور الماضية وحتى صدور النتائج تتكشف وتتضح أكثر فأكثر, وأخذ بعض – المرتزقة - الذين ساهموا وشاركوا في الحملات الدعائية لهؤلاء المترشحين في الإفصاح والتصريح دون خجل أو استحياء عن بعض الممارسات التي مارسوها, والتي كانت بمجملها تشويه للديمقراطية وإساءة لحرية الرأي والتعبير, فالأخبار بدأت تنقل لنا عن لسان هؤلاء من عمان وغيرها من المحافظات, أن بعض المترشحين قد أنفق على حملته الانتخابية مئات الألوف من الدنانير بل تعدت المليون والمليوني دينار عند بعضهم وأن أحدهم في العاصمة عمان بلغت تكلفة عشاء واحد قدمه إكراماً لمؤيديه ومؤازريه مئة ألف دينار... ناهيك عن الألوف الأخرى التي دفعها البعض ثمناً لشراء الأصوات والذمم وشهادة الزور.
كنا وما زلنا نستغرب ونستهجن ونعيب على أولئك الذين ينفقون ألوف الدنانير على عرس أحد الأبناء أو شراء سيارة فارهة أو ثمناً لغرفة نوم أو صالون ضيافة, ولا نتوانى في قدحهم وذمهم وشتمهم والتطاول عليهم ووصفهم بالسفهاء, فإذا كان وصف الذي ينفق بسخاء وتبذير على رفاهيته وحياته وعيشه سفيهاً, فماذا يمكن أن نقول عن هذا الذي أنفق الملايين ابتغاء جاه أو منصب, إن مثل هذه التصرفات التي رافقت الانتخابات النيابية هي, عيب وعار, وجريمة بحق الوطن والمواطن, وجحود للنعمة, وخراب, ودمار, وتشويه للديمقراطية والحياة السياسية برمتها, وعليه فإنه لا يجوز بأي حال من الأحوال السكوت عنها, وعلى هذه \"البعزقة\" التي رافقتها, فالأديان والتقاليد والعادات في مجتمعنا وفي كثير من المجتمعات أقامت وتقيم الحد على السفيه الذي يبذر ماله, ذلك أن المال هو ملك للدولة وللشعب, ونحن كأفراد وبشر مستخلفين عليه في الأرض لإدارته في مرضات الله وما ينفع الناس.
إن الإسلام اعتبر تبذير الأموال في غير وجه حق من السفاهة, وأجاز الحجر على السفيه ومنعه من التصرف بأمواله وأملاكه, لأنه يتصرف بها تصرفاً منافياً لمصلحة الشعب والأمة ومستقبلها, إن هذا السخاء وهذا الترف لا بل \"القرف\" المالي الذي صاحب الحملات الانتخابية يجب التصدي له مستقبلاً وبشراسة, وواجب علينا إذا كنا نريد مصلحة الوطن أن نكشف هؤلاء الذين أنفقوا هذه الملايين بجنون وهستيريا, لأن الإنسان الذي ينفق ويبذر المال طمعاً بمنصب أو جاه أو حصانة, فو الله, هو أخطر على الوطن والناس من أي مجرم أو مختلس أو مرتش, وأخطر على وجودنا ومستقبلنا ونظامنا السياسي واستقرارنا وأمننا وثباتنا ومشاريعنا التنموية, وأطفالنا, وشبابنا وثوابتنا الوطنية, من كل أعداء الأمة, وأكثر فعلاً وبلاء من مؤامراتهم وكل اعتداءاتهم, ذلك أن الذي يدفع المال لتزوير ضمائر الناس ينخر في أساس الوطن ويضرب صمودنا النفسي والاقتصادي ونسيجنا الاجتماعي من الداخل... فهل من المعقول لموظف أو جندي قادم من فقر الطفيلة في الجنوب, أو فقر \"المخيبة الفوقا\" في أقصى الشمال أن يعمل بإخلاص أو يدافع ويحارب براحة ضمير عن مثل هؤلاء السفهاء, وأن يمضي دفاعاً عن سفاهاتهم ورذائلهم وانحطاطهم الذي يمارسونه على \"عينك يا تاجر\" دون رادع أخلاقي ودون خجل ودون استحياء من الله ومن الوطن...!
نحن في هذا الوطن الأردني الشامخ لا رحمة في قلوبنا ولا شفقة لكل من يريد الإساءة إليه والنيل منه لأننا لا نملك غيره ولا نرضى بغيره... فلماذا إذن لا نقسو على هذا النفر القليل السفيه التافه الذي حاول شراء ضمائر الناس, وأنفق الملايين بسخاء ابتغاء تحقيق مصلحة ذاتية وشخصية في الوصول إلى قبة البرلمان...؟ ولماذا لا نوقف أمثال هؤلاء عند حدهم وحدودهم ونقيم عليهم شرع الله, وشرع الخلق, وشرع المصلحة الوطنية العليا للوطن ونحجر عليهم حجراً يحول بينهم وبين تكراره في المستقبل وحتى يكونوا عبرةً لغيرهم خاصةً ونحن على أبواب انتخابات بلدية ستشهدها المملكة في العام القادم إن شاء الله.
Email: moeenalmarashdeh@yahoo.com