كان الحديث أمام موقف السيارات في الزرقاء صباحا ، وبكل هدوء خرجت المعلومات من فم المرأة التي قالت أنظر هذه جوازات سفر خضراء تظهر من جيب أحدهم وفي نفس الوقت هناك جواز سفر لونه أزرق يظهر من جيب امرأة أخرى ، وكان سؤالي بسيط وهو ما الفرق بين الأزرق والأخضر جاء الجواب من بين أنفاس السيجارة التي أصرت المرأة على إشعالها أمام الجميع في الموقف وهو أن هؤلاء فلسطينيين من أهل غزة حضروا من الدول العربية بعد اتفاق اوسلوا ولم يذهبوا إلى غزة فبقيت غزة ملتصقة بهم ولون جوازات سفرهم أزرق ، قلت لها وهل هناك فرق في التعامل لدى السلطة بين أهل غزة وأهل الضفة في الضفة أو ما يدعى بأراضي السلطة ، أجابت بكل هدوء يكفي أنهم يعطوك جواز سفر لونه أزرق يكتب عليه في الداخل كلمة مركبة واحدة ( غزاوي فلسطيني ) ، إذا هناك تفرقة سألتها وبسرعة لأنها أرادة أن تركب في المقعد الأمامي لسيارة الجسر قبل أن يسبقها أحدهم وتضطر إلى الجلوس في المقعد الخلفي بين الرجال ، قالت يا أبني أن تكون في وطن واحد ومقسم ومحتل يشبه أن تكون كقطع من اللحم مفصولة ولكنها جميعها تغلي في إناء واحد والنار التي تغلي عليها هي نار واحدة وربما الفم الذي سيأكل القطع جميعها فم واحد ، صعدت المرأة إلى السيارة وهي تودعني مبتسمة وأشعلت سيجارتها الثانية بكل هدوء بعد أن طلبت مني أن أحضر لها فنجان قهوة سادة من بائع القهوة وبسرعة قبل أن تغادر السيارة الموقف ، ناولتها فنجان القهوة الكرتوني وغادرت السيارة مجمع السفريات وانا واقف أفكر بقطع اللحمة التي تغلي في إناء واحد والفم الذي ينتظر أن يأكلها وهي مقطعة وقد نضجت ، وعودة للعقل وحديث السياسة بعيدا عن حكايات من يأتي من أراضي السلطة وقطاع غزة أجد أنه دائما يكون البقاء لمن يؤمن أنه واحد ويرفض أن يقسم شعبه على ألوان جوازات سفرهم ولمن يرفض أن توضع الجغرافيا كفئات اجتماعية لتجد نفسها أي الجغرافيا أقوى من كلمة وطن واحد وشعب واحد ورب واحد ، ويعود عندها الفرد في هذه الأوطان للبحث عن جذوره أو ما تبقى منها لعله وعسى يحضى بجزء ولو يسير من جغرافيا الجزء المسيطر على الأمور ويؤنس نفسه في الليالي الطويلة قائلا لها أنه كان لي جد من قديم الزمان يعيش في جغرافيا الأقوى وان أجدادي كان لهم بيادر يحصدونها في ذلك الزمان ولكنه المسكين ينسى أن لكل زمان دولة ورجال ولكل طبخة فم يأكلها .؟