في قديم الزمان .. وفي سالف العصر والأوان .. كان هنالك قرية يعيش أهلها في سلام .. يقضون ليلهم الطويل بالأحلام .. ونهارهم بالأوهام ، وكان في هذه البلدة نهر يدعونه بنهر الجنون .. يصاب لأربع سنوات كل من يشرب منه بفقدان العقل والمجون ...
وكان الوزير قد روّج بين أهل القرية بأن الشرب من هذا النهر يجعل من الحلم حقيقة .. ومن الوهم واقعاً تستمتع به في كل دقيقة ، وفي كل مرة يشرب أهل القرية من النهر تزداد أوضاعهم سوءاً .. وتنقلب أحلامهم لتصبح كابوساً . وبعد أن يذهب مفعول ما يشربون .. يذهب الأهالي إلى وزيرهم وهم غاضبون .. وعلى الشرب من النهر نادمون .. ، إلاّ أن الوزير يقنعهم في كل مرة أنهم لم يشربوا ما يكفي من النهر .. وأن عليهم أن يشربوا منه بكميات أكبر .. ليصبحوا على تحقيق أحلامهم أقدر .
وفي يوم من الأيام ، قرر الأهالي أن يشربوا كل ما في النهر من مياه .. فحصل ما لا يحمد عقباه ، فقد أصبح أهل القرية يظنون .. أنهم عاقلون .. وأن من لم يشرب معهم من النهر هو المجنون ، فقرروا التوجه إلى حكيم القرية الذي كان يحذرهم دوماً من النهر ، ولم يشرب من مياهه طوال الدهر . تجمع الأهالي حول الحكيم .. وخاطبوه مناشدين : " أيها الحكيم الوقور .. إننا نشفق عليك مما أنت فيه .. فإما أن تشرب من النهر وتعود إلى رشدك .. أو تبقى كما أنت فيأخذ الوزير قراراً بنبذك .
احتار الحكيم في أمره .. وتأمل في نظرات شعبه .. ، وأمسك كأساً من ماء النهر وخاطب قومه : " سأشرب كأس الجنون .. فأن تكون مجنوناً بين المجانين خير من أن تكون منبوذاً من الوزير والمواطنين " .
نعم عزيزي القارئ ، فلنشرب كأس الجنون .. ولنهتف معاً بصوت حنون : " إنها الانتخابات الحرة الديمقراطية .. انتخابات النزاهة والشفافية .. إنها انتخابات .. وهمية .
فاخر دعاس
** ملاحظة : فكرة النهر مقتبسة من مسرحية " نهر الجنون " للكاتب العربي الكبير توفيق الحكيم