منذ صدور قرار محكمة التمييز بخضوع الإعلام الإلكتروني لقانون المطبوعات والنشر تعيش المواقع الإلكترونية حالة استنفار بسبب الاعتقاد ان الحكومة تهيئ لها قفصا ربما على شكل قانون ستحبسها فيه.
من حيث المبدأ هذا مستحيل لأن إنشاء موقع إلكتروني لا يحتاج الى استئذان أحد وهناك وسيلة واحدة للمنع هي القرصنة الالكترونية أو الحجب من خلال السيرفرات المحلية، لكنّ الوصول إلى أي موقع ممكن بطرق التفافية.
ثم إن وسيلة الإعلام ليست فقط المواقع التي تعلن عن نفسها وكالات إخبارية أو صحفا الكترونية، فالنشر عبر الفضاء الإلكتروني لا حدود له، وهناك مواقع شخصية بمثابة مدونات (بلوغ) يمكن أن تقوم مقام صحيفة الكترونية، ويمكن النشر من خلال "الفيس بوك" و"التويتر" وغيرهما. أي باختصار، فإن التحكم بالنشرالإلكتروني مستحيل. ولو كان التحكم ممكنا لتمت السيطرة على عشرات المواقع الجهادية ومنها ما هو معروف بارتباطه بالقاعدة.
هذا من حيث الترخيص بالنشر الإلكتروني، أمّا قرار محكمة التمييز فتطبيقه لا يحتاج إلى الترخيص، وهناك أساس مبدئي ومنطقي له، إذ لا يمكن نشر أمور تضرّ بآخرين من دون أن يكون لهؤلاء حقوق بالمقاضاة، والأمر لا يتصل بالحكومة فقط، فأي مواطن أو شركة أو مصلحة خاصّة يمكن أن تتضرر بشدّة من نشر مادّة قد تحتوي على إهانة أو إساءات شخصية، أو قد تلحق أضرارا فادحة بمصلحة جهة ما، وليس معقولا أن أي مواطن أو مؤسسة لا يستطيع أن يحمي نفسه من هذا الاعتداء. ولهذه الغاية اعتبر قرار التمييز أن النشر الإلكتروني هو مثل الوسائل الورقية المطبوعة يخضع لقانون المطبوعات والنشر.
يمكن افتراض أن هذا القرار القضائي يعني أن المواقع الالكترونية يجب أن تحصل على ترخيص مثل وسائل الإعلام الورقية أو وسائل النشر الإذاعية أو التلفزيونية، وهذا من الزاوية العملية مستحيل، لأن النشر هنا لا يحتاج، لوجستيا، إلى وسائل يمكن التحكم بها على غرار النشر الورقي أو الإذاعي أو التلفزيوني.
من حيث الواقع العملي هناك أداة وحيدة للتقييد إذا كان الناشرون يريدون الموقع مشروعا اقتصاديا يوفر لهم مردودا ومصدرا للدخل، فمصدر الدخل الوحيد الممكن هو الإعلانات، والحكومة أبلغت الشركات والمؤسسات المختلفة أن الاعتراف بالنفقات الإعلانية لمواقع إلكترونية يجب أن يكون موثقا مع جهات مسجلة كشركات للتمكن من المحاسبة على ضريبة الدخل، وعليه فإن حصول موقع إلكتروني على الإعلانات التي ينبغي على الحكومة أن تحصّل منها ضريبة الدخل يتطلب تسجيله كشركة، وقد قامت بعض المواقع الإلكترونية بتسجيل نفسها كشركة، وهي في الواقع تحتاج إلى ذلك، إذا كانت ناجحة وتريد حماية نفسها قانونيا، بما في ذلك حقوق الملكية الفكرية والاسم التجاري.
تشريعيا أنشأت الحكومة قانونا للمعاملات الالكترونية، لكن سيكون أصعب بكثير إنشاء قانون ينظم الإعلام الإلكتروني أو تعديل قانون المطبوعات لهذه الغاية، أمّا السيطرة على الحريات الإعلامية الكترونيا فهذا مستحيل.
jamil.nimri@alghad.jo
جميل النمري