لم يبقَ إلا البكر "سلطان"، الراسبُ أربعة عشر عاما في الثانوية العامة، أو سعيد صالح "العيِّلُ" الهرِم، الذي ذوى وتراخى ذراعا يُسرى لعادل إمام؛ فصار صاحبه الذي يموت دائما وتُقرأ على روحه السلام.. نهاية الفيلم!
ماتَ "عاطف" آخر العنقود المرسوم على قميصه المنفوخ "بطة". كان يهذي بحب سعاد حسني، ينتظرها حتى تخرج من "الحمام"، وينصرفُ "يونس شلبي" إلى حياته، حتى يشيخَ قلبه، وينتهي.. مريضا مهملا لا يُعطلُ وفاته تصوير مشهد فائض يجتمعُ فيه خمسة زملاء سابقين!
ومات "كمال" العاقلُ الذي يُخطط لإنقاذ العائلة من "طيْش" الأب، و"المجنونُ" بحبِّ المطلقة ثلاث مرات؛ ذلك الذي كانه "أحمد زكي"، أقلُّ منْ أضحكنا وأكثر منْ أبكانا حينَ ماتَ مبكِّرا بورم شديد الخبث في رئته المتعبة من "الدخان المحشي"!
منْ يذكر "سحر" التي لم تقنعنا بدلالها؟ صدَّقنا أنها نجحت في اختبارات النجوم لتصبح راقصة، فقط حتى يشتد الضحك مع "سلطان" في مشهد مبهج يحملُ فيه بندقية وهمية ليطارد شقيقته غسلا للعار، ثم يقتنع أن يصبح "مساعد رقاصة"، بـ"عشرة جنيه"، ويدفع باتجاه أن تنخرط العائلة كلها في مساعدة الشقيقة بـ"الفتح" للزبائن في أول "كوميديا" عصر الانفتاح!
لم تمتْ "سحر"؛ لكن أين "ناديا شكري" الآن؟ تغيَّرتْ مصائرُ "العيال" ووحدهما: الأب "حسن مصطفى" والأم "كريمة مختار" أمعنا في العمر حتى بلغَ كلاهما الكِبر!
ونحن "عيال" كبُرت غفلة. لم نلحظ ذلك إلا عندما صار يُخالط ضحكنا، على اجتماع الأبناء الأربعة لمنع الأب من الزواج، دمعُ حنين إلى أوَّل مشاهدة للمسرحية؛ حين كنا نبالغُ في الضحك مع دروس "سلطان" لأمه حتى تصبح امرأة "مُلعب" من دون أن ندركَ مغزى إشارة يوم الخميس الصريحة!
وزعنا الأدوار؛ البنت مفروغ أمرها، فتؤدي دور "سحر" وأمها إذا اقتضت الضرورة الفنية، أما الصبيان فيختلفون كثيرا؛ كلهم يريدون أن يكون "سلطان" ولا أحد يقبلُ بدور "كمال"، إلا أنَّ الخلاف يحتدمُ على رفض دور الأب "رمضان السكري" بصراخ وعراك خفيف بالأيدي، ينتهي بضرب عشوائي من حزام الأب في الواقع، وأمر لا يقبل التأخير بالنوم مبكرا قبل الفصل الثاني من المسرحية في ذروة الضحك!
نتخلى عن لعب العيد لنشاهد "العيال كبرت"، وحينَ يبدأ الثلجُ بالتساقط نركضُ أمام عصيِّ المعلمين قطيعا غير منتظم من كتل لحمية متفاوتة البنية باللونين: الأزرق والكاكي. ندخل البيوت مبتهجين، لأنَّ الثلجَ تراكم و"سلطان" لم يدخل بعد، بانتظار فاصل الضحك الصاخب الذي يأتي معه، ولا يعكره إلا فاصل رتيب عن حالة الطرق!
كبرنا ولم يعد لنا آباء نسقط عليهم مقالب "العيال" بـ"رمضان السكري"، لم يعد أمكرنا يرنُّ هاتف المنزل ليقدم نفسه لأبيه، بصوت منزوع الحياة: "أنا المرحوم فريد الأطرش"!
"عيال" كثيرة ماتت قبل أنْ تكبر، وتكتشفُ أن في الحياة متعا أشدّ لذة من مشاهدة "العيال كبرت" لأول مرة.. حين يكون الضحكُ من الخاصرة.
ونحن كبرنا لأن خبط المنايا عشوائي، فأخطأنا الموت، تماما مثلما ترك "سلطان" يهرم، فأمعنا في الحياة، ودخلناها من كلِّ الجهات، ولم نكتشف بعد لذَّة أخرى؛ نوَدُّ لو نلعب "العيال كبرت" لكننا نجتمع فلا نكتمل؛ بعضنا مات والآخرون "عيال كبرت أوي"!!
Nader.rantisi@alghad.jo
نادر رنتيسي