زاد الاردن الاخباري -
ديما محبوبه- يبدو "الكيد"، أحيانا، غائما، خصوصا عند ربطه بالمرأة تحديدا، علما أن كل الشواهد تدل على أنه صفة مشتركة بين الجنسين، وإن كان لدى المرأة أوضح من غيره، نظرا لطبيعتها التلقائية في ظاهرها، والمركبة في أعماقها، علما أن الكيد قد يبدأ بشعور إنساني طبيعي كالغيرة، مثلا، غير أن تطور الشعور بالغيرة إلى حد مرضي، هو ما يوصله إلى حد "الكيد" ونصب الشراك والأذى.
وهذا بالضبط ما حدث مع "نرد العالي"، تلك الفتاة العشرينية، التي لم تكن تعرف أنها وبمجرد انخراطها في عملها الجديد في أحد البنوك التجارية، ستواجه "حربا أهلية" تشن ضدها، وفق وصفها.
غبر أن هذا ما واجهته فعلا حين غدت محط "كيد" زميلاتها في العمل، مضيفة بأن "سخطهن نزل على رأسها وقلب حياتها" بعد أول كتاب شكر تلقته من مديرتها، لقاء تفانيها في العمل.
وتشير إلى أن زملاءها في العمل كانوا يحترمونها ويصفونها بأنها "ملاك المكان"، ما أثار حفيظة الزميلات، كما أن كيدهن بلغ بهن حد زرع "أسافين"، على حد تعبيرها، بينها وبين مديرتها المباشرة، ما أدى لاحقا إلى تلقيها إنذارا على الرغم من تفانيها، جراء خطأ بسيط يقع فيه معظم الزملاء يوميا.
من جهتها، فإن الأربعينية أم واصف لها نصيب مختلف من "كيد النساء"، كما تصفه، حيث بينت أن لها جارات كانت تجمعها بهن علاقة طيبة مبنية على الحب والاحترام.
غير أن هذه العلاقة لم تطل كثيرا، عقب دخول جارة جديدة على تلك المجموعة، والتي كان همها الشاغل كيفية تخريب تلك المودة القائمة بينهن.
وتؤكد أم واصف بأن كيد المرأة لا يقدر عليه إلا كيد امرأة أخرى، وأن الرجال لا يعانون مثل هذه العلاقات المشوبة بكثير من الأمراض النفسية، المقرونة بالأذى.
اختصاصي علم النفس د. محمد الحباشنة يشير إلى أن كيد الإناث لا تختلف حدته عن كيد الرجل وغلبته، لأن لكل شخص "معايير معينة".
ويبين أن انخفاض الثقة تمثل أساس وجود الكيد والعواطف المركبة، وتكون ناتجة أيضا عن اضطرابات نفسية كثيرة، منها ما يطلق عليه "المضاد المجتمعي والنرجسية"، وهاتان الشخصيتان كما يصف الحباشنة تكون الغيرة لديهما في أقصى مستوى، وتؤدي إلى إيذاء الناس، ويجب معالجة الموضوع من جذوره ليتخلص الشخص من الغيرة والكيد.
بل حتى إن تقاسيم وجه المرأة تتخذ ملامح كثيرة، بحكم حساسيتها العالية، ولكل مرحلة عمرية ملامح نفسية مختلفة، فضلا عن ضغوطات نفسية، قد تنجم عن العادة الشهرية أحيانا، وعن "سن الأمل" ما يجعلها عرضة للتوتر والقلق اللذين ينعكسان على تفكيرها اليومي، وفق الحباشنة الذي يرى أن كل تلك العوامل تجعل المرأة "عاجزة" تماما عن إقامة علاقات جيدة مع الأفراد، وخصوصا إذا تعرضت إلى تجارب سيئة في حياتها. ومن هنا يجب على المرء تحقيق التصالح الذاتي مع النفس، وتطوير مهارات المعرفة والذكاء العاطفي والاجتماعي.
وعن كيد الرجال وغلبتهم، يقول الطالب الجامعي ضياء الزعبي "لم أكن أعرف بأن الحقد والكيد يصل إلى الذكر أيضا".
وللبرهنة على صحة أقواله، يستذكر بأنه كان من الأشخاص المتفوقين في التوجيهي، وكان له ابن جيران يظنه صديقا حميما، ويضيف "كان يأتيني بعد الانتهاء من صلاة العشاء ليحدثني عن دراسته القليلة، وعن أنه لا يفتح كتابه أكثر من ساعة واحدة، وأنه سينجح ويتفوق لأنه شخص يعرف أساليب كثيرة من الغش".
ويقول إن "صديقه" المذكور كان دائم النصح له بأن يكف عن الدراسة، وأنه، شخصيا، سيحصل على علامات أكثر منه، "من دون الدراسة التي لا فائدة منها"، وأن التوجيهي هو عبارة عن "حظ"، حسب زعمه.
ويبين ضياء الزعبي بأن هذا الكلام كان يثبط من عزيمته. ولولا دعم أهله له وتلطيف الأجوء المحيطة به لتشجيعه على العودة إلى دراسته، لكان أخفق ولم يحصل على معدل يؤهله لدراسة الطب كما كان يطمح، وذلك على خلاف ابن جيرانه، الذي كان "يتفنن" على حد تعبيره في "تهشيم طموحاتي ومعنوياتي".
وفي رأي اختصاصي علم الاجتماع ومدير مركز الثريا للدراسات د. محمد جربيع، أن مقولات "كيد النساء" ولؤمهن "كثيرة"، غير أن الكيد "غير مرتبط فقط بالمرأة".
ويشير جربيع إلى أن هذا الشعور موجود عند كل أفراد المجتمع من ذكور وإناث، لكن مدى إظهاره يعتمد على خبرة الشخص وعدد المواقف التي يتعرض لها في حياته.
ولأن المجتمع الأردني هو مجتمع ذكوري، فيبين جربيع أن خبرة الرجل تفوق خبرة المرأة، نظرا لما يتعرض له من مواقف، ولأنه يختلط مع بيئات أكثر، حيث إن المرأة ما تزال تواجه بعض الخطوط الحمر التي تمنع من تجاوزها.
ويشير إلى أن كثيرا من خبراء علم النفس يعتقدون أن غيرة المرأة أكبر بكثير من غيرة الرجل، وخصوصا أن الأخير أقدر على ضبط مشاعره وإخفائها، ويتعامل مع الأحداث بطريقة مغايرة.
من جهتها تؤكد التربوية رولا أبو بكر، أن عدم ضبط الشعور بالغيرة يؤدي إلى تطورها إلى حالة مرضية، والتي يطلق عليها صفة "الكيد".
وتقول إن الغيرة شعور جميل، ويدل على نمو الشخص الفكري، مشيرة إلى أن "الكيد" يبدأ عادة من الأهل وطريقة تعاملهم مع أولادهم، فإن كان هناك تمييز في التعامل مثلا بين البنت والولد بين أفراد العائلة الواحدة، فإن شعور الغيرة يكبر ويمكن أن يصل مرحلة "الكيد".
ومن شأن تعلم طرق التربية السليمة أن يساعد الوالدين على معرفة نمط التفكير والشعور السائد عند أبنائهما، ولعل من المفيد، أن يعقدا اجتماعا أسبوعيا، حيث يكون المسؤول فيه أحد الأبناء، والذي يقوم بدوره بالاتصال مع إخوته، فيروي له كل أخ ماهية المشاعر والمواقف التي أزعجته خلال الأسبوع، وعلى نحو دوري، إذ يتم التنفيس عن الرغبات المكبوتة وعن القضايا المزعجة، وأن يكون هناك حوار يشكل قنوات لتفريغ الكره والحقد عند الأبناء.
الغد