زاد الاردن الاخباري -
هشال العضايلة - تخوفا من عمليات ثأر عشائرية، أجلت الأجهزة الرسمية في الأمن العام ومحافظة الكرك مئات الأشخاص تنتمي لإحدى العائلات من منازلهم في بلدة أمرع بلواء فقوع قبل أسبوع.
وتأتي هذه الاجراءات تطبيقا للجلوة العشائرية بعد وفاة شاب (24 عاما) من عائلة أخرى تقطن نفس البلدة، اثر إقدام شاب على إطلاق النار عليه أثناء مشاجرة يوم الانتخابات النيابية في التاسع من الشهر الحالي.
70 أسرة يبلغ تعدادها 500 شخص بين طفل وامرأة وكهل من بينهم أسرة النائب الذي فاز عن مقعد لواء فقوع، تم إجلاؤهم من المنطقة، حرصا على حياتهم بعد أن أحرقت غالبية منازلهم فور وقوع حادثة القتل، أولا إلى لواء القطرانة، ثم إلى لواء الجيزة جنوب العاصمة عمان، لتبدأ رحلة المعاناة التي ستستمر إلى حين اجراء صلح عشائري ربما يطول انتظاره لسنوات، حتى هدوء الخواطر كما هو الحال في كل حالات الجلوة العشائرية.
ويتطلب تطبيق الجلوة العشائرية هجر المنازل وانتقال طلبة المدارس والجامعات، والموظفين الرسميين لدوائر أخرى وترك المزارعين أراضيهم ومواشيهم.
وقال مساعد متصرف لواء فقوع علي الكركي أنَّ الاجهزة الرسمية أجلت زهاء 70 أسرة من البلدة تطبيقا للجلوة العشائرية، مشيرا إلى أنه تم نقل العائلات إلى بلدة القطرانة عند إحدى العشائر ثم تلبية لطلبهم نقلوا الى منطقة الجيزة بالقرب من العاصمة عمان.
ومنذ قرابة عشرة أعوام، ما تزال مئات العائلات من مناطق مختلفة في محافظة الكرك تعاني نتيجة ابتعادها "الاضطراري" عن مساكنها وقراها التزاما ومثولا لحكم "الجلوة العشائرية"، ليس لذنب ارتكبته هذه العائلات، بل لذنب ارتكبه أحد أفراد العشيرة لكن "صلة الدم" جعلتهم شركاء في العقوبة عشائريا.
الجلوة العشائرية فرضت على مئات العائلات استجابة للأعراف العشائرية، حيث يتم إجلاء اهالي مرتكب جريمة القتل او الاغتصاب او هتك العرض عن مناطق سكناهم، خاصة عندما تكون قريبة من سكن أهل المجني عليه، وأحيانا تتم الجلوة في حالات يكون مكان سكن الطرفين متباعدا وليس في المنطقة ذاتها.
فور وقوع جريمة قتل في منطقة ما، تحديدا في القرى والأرياف او تلك الأحياء التي تجتمع فيها عائلات عشيرة ما، تستنفر الاجهزة الامنية ويتدخل الحاكم الاداري و"وجوه" عشائرية، لنقل عشرات العائلات من خلال مركبات شحن تابعة –في الغالب- للأمن العام من مكان سكناها الى أمكنة أخرى، حرصا على حياة أفراد هذه الأسر من عواقب ما يسمى بـ "فورة الدم " لدى أهل المجني عليه.
إحدى عشرة حالة جلوة عشائرية ما تزال قائمة في محافظة الكرك، وفق لسجلات محافظة الكرك الرسمية، بعضها منذ العام 1994 على خلفية حوادث قتل أو حوادث أخرى يتوزع فيها مئات الأشخاص على مناطق مختلفة، بعضها خارج المحافظة، تطبيقا للجلوة. في حين تم حل حالات أخرى بعد إجراء الصلح العشائري وعودة المهجرين.
ويبقى غالبية الأشخاص بعيدين عن منازلهم لحين الانتهاء مما يسمى عشائريا بـ "عملية العد"، حيث يقوم قضاة عشائريون بعملية تحديد من تنطبق عليهم صلة القرابة وشروط الجلوة فعليا، حيث تحدد الجلوة على اساس القرابة الى الجد الثالث، اذ يعود بعد "العد" من كان خارج هذه الدرجة من القرابة الى بيوتهم ان أرادوا.
واللافت أن أغلبية أقارب الجاني حتى ممن لا تنطبق عليهم شروط الجلوة يؤثرون عدم العودة الى بيوتهم إلى حين إتمام الصلح العشائري، حرصا على حياتهم وتجنبا لحدوث مواجهة مع الطرف الآخر، من أقارب المجني عليه.
ويقول شاب (40 عاما) من العائلة التي جلت مؤخرا، ويعمل في مؤسسة رسمية وشملته عملية الإجلاء، إن معاناة عشرات الأسر "لا يمكن وصفها عند تنفيذ قرار الجلوة". وأشار إلى أن "عشرات العائلات أخرجت من منازلها".
وأضاف أن الجلوة شكلت حالة من "الفوضى" في حياة العائلات جميعها، حيث تعيش معاناة حقيقية،لافتا أنَّ الجلوة "رتبت أعباء مالية اضافية على جميع العائلات".
شاب آخر عبر عن حجم الاستياء الذي تشعر به العائلات التي تفرض عليها الجلوة "بسبب خطأ ليسوا طرفا في صناعته"، وتساءل "لماذا ندفع ثمنا لفعلة شخص آخر"؟.
وكان العديد من وجهاء محافظة الكرك قد طالبوا بإلغاء أو تخفيض اعداد الاشخاص الخاضعين للجلوة تخفيفا عليهم من الظروف الصعبة التي يعيشونها واختصارها على اقارب الجاني من الدرجة الأولى.
كما نظمت فعاليات شعبية في الكرك مؤتمرا شعبيا بمشاركة شعبية من مختلف مناطق المملكة لبحث وثيقة الكرك للجلوة العشائرية والتوقيع عليها لتعتبر مرجعا في هذا المجال، إلا أنها بقيت حبرا على ورق.
الغد