صدمت حين شاهدت مسرحية الفنان المبدع زياد الرحباني لأول مرة في بداية الثمانينات وكانت حينها بيروت تشتعل ، فلقد كانت المسرحية ( وأنا القادم من عمان المحافظة على نص واحد حينها وربما الآن ) أشبه بانقلاب المعايير لي حيث شكل فضاء الحرية الممنوح للنص إبداعا تمثل في تجاوز كل الخطوط الحمراء وترك الحبل على الغارب في السيناريو لتتشكل فكرة المسرحية اقرب لواقع سريالي فاقع .
كانت نصوص الممثلين مفتوحة على البحر تماما وكأنك تتحدث مع نفسك داخل حمام أو زنزانة لا يسمعك فيها أحدا... فتعبّر عن كل شططك وشغفك في الوجع المصنوع منك وأليك ودون رقيب، ومنها نستعبر البداية من باب الأماني بالعيب المطلوب والمباح في عالم خرافي لا بحجم الحمام المتاح لك فقط للصراخ والغناء.
ما معنى أن يتحرر الإنسان من جميع قيوده حتى التي وضعت على فوهات عيوبه فمنعتها من الاقتحام القصري المباغت لشعور الآخرين ؟ ، وهل تغيرت معايير العيب لدينا فأصبحت ممارسة بعض العيوب أشبه بالحريات المنتزعة مع التكرار والتقادم الزمني ؟ .
ربما الآن وفي زمن فقدنا فيه الرؤيا تماما ليومنا التالي وأضحى مسيرنا بلا بوصلة وبلا أسطورة نتبعها.... حيث أننا الآن لا نعلم ( بالنسبة لبكرة شو ؟ ) فنحن لا نملك إلا ممارسة العيب المتاح قليلا ونبدأ بالتشليط .
فلكي نحل مسألة المديونية والتي تبلغ مديونيتي أنا وبيتي منها ثمانية عشر ألف دينار سنقول بلطوا البحر فلن ندفع منها فلسا واحدا .... ولن ادفع أكثر من عشرين قرشا في كيلو البندورة ، وستكون إجازاتي السنوية المفقودة منذ القدم في بيتنا في حيفا .
جرير خلف